[مقتبس من كتاب عالم القرآن للعلامة خوئيني]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن تكرر ألفاظ معينة في الآيات القرآنية تدل على أهمية موضوعها، فعلى سبيل المثال تكررت لفظة (الله) في القرآن الكريم أكثر من (2500) مرة لأهمية موضوع الألوهية، كما أن لفظ البدء بـ«باسم الله» جاء في أوائل مائة وثلاثة عشر سورة من القرآن الكريم؛ ليعلم المسلمون أهمية ابتداء كل عمل بهذا الاسم الشريف.
أما بالنسبة إلى التوحيد فقد وردت الآيات القرآنية التي تتحدث عنه في أكثر من ألف وخمسمائة، ومثله الحديث عن القيامة، وهذا يدل على أهمية هذين الأمرين.
وهناك آيات كثيرة أتت الإشارة فيها إلى مسألة الوحدة بين المسلمين والنهي عن التفرقة بينهم، وهذه الآيات لكثرتها في القرآن الكريم لا تخفى لمن له بصيرة بمسائل القرآن الكريم.
نعم، خطورة التفرقة والاختلاف بين المسلمين عظيمة جداً، وهو ما نتعلمه من قصص الماضين الذين اخترعوا المذاهب المتفرقة واتبعوها وفرحوا بما لديهم، حتى دمرتهم هذه المذاهب وأهلكتهم، فنبّه الله المسلمين على خطورة تلك الاختلافات وسوء عاقبتها، كما ذكرها في الآيات العديدة من القرآن الكريم.
قوله تعالى: ((وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً)) [الروم:31-32].
وقوله تعالى: ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً)) [القصص:4].
وقوله تعالى: ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ)) [القصص:5].
وقوله تعالى: ((وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا)) [القصص:6].
وقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)) [الأنعام:159].
وقوله تعالى: ((قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ)) [الأنعام:65].
وقوله تعالى: ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ)) [الحجر:10].
ونحن سنقف مع أربع آيات فقط من الآيات التي فيها ذكر شناعة التفرقة بين المسلمين.
قوله تعالى: ((وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً))[الروم:31-32].
هذا نهي صريح وتشنيع واضح على التفرقة، ودلالة على أنها صفة من صفات المشركين.
كما أن آخر الآية فيها بيان مهم: حيث بيّن الله أن: ((كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)) أي: أن هذه التفرقة والاختلافات ليست لله، بل تكون لغرض سياسي وحزبي، وكل حزب بما لديهم من الدعوة فرحون.
والذي توصلنا إليه بعد البحث والتحقيق أن وجود كثير من الفرق ومنها «الشيعة» كانت لأغراض سياسية ولإيجاد الفرقة والتشتت بين المسلمين، كما أن إدخال الفلسفة ونشرها كان لأغراض سياسية أيضاً، وهو زيادة الاختلاف في صفوف الأمة، وهدم الإسلام وإضعاف المسلمين، وليس لأجل البحث عن الحقائق.
ولهذا كانت الشيعة أول حزب من الأحزاب الإسلامية الذي حاول هدم الحكومة العثمانية والأموية المركزية، وهذا الهدف لا يزال حتى الآن.
ولتعزيز مكانة هذا المذهب وتبرير أعماله سمّوا حزبهم باسم الدين، وباسم الله، وباسم آل البيت، وباسم الأئمة، بناءً عليه أصبحوا يقولون: بأن السير إلى الحق والقول بالحق لا يكون إلا بأن تنضم إلى مذهب الشيعة، واعتبروا عدم القول بالمذهب انحراف، وكل هذا دافعه أغراض سياسية، حاصل ذلك أن كل الأعمال التي تصدر من الشيعة سياسة لا ديانةً، والدليل على هذا قيامهم باغتيال المخالفين للشيعة، مما يدل على اعتقادهم المباين لبقية المسلمين في الأعمال والأفكار وغيرها.
قوله تعالى: ((إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً)) [القصص:4].
ففي هذه الآية بيان أن السعي في إيجاد هذه الاختلافات من أعمال الفراعنة.
فـ«الفراعنة المسلمون» هم الذين يحكمون أتباعهم بإشعال فتيل التفرقة بين المسلمين، ولولا ذلك لما استطاعوا أن يتصرفوا فيهم، ومن سياستهم في هذا المجال تسمية بعضهم باسم والآخر باسم، حتى استطاعوا أن يفصلوا أنفسهم عن عامة المسلمين، ثم سموا أنفسهم باسم المرشد والمرجع، وعملوا في أتباعهم كما يشاءون.
وقد عبر القرآن عن أولئك الذين لم يستطيعوا أن يقاوموا فرعون وجنوده بأنهم ((مستضعفين في الأرض)) وهذا يشمل الاستضعاف المالي والاقتصادي أو حتى الفكري، بمعنى أنهم كانوا يتعرضون إلى سياسة تضعفهم في هذه الجوانب، مما جعلهم يقبلون بفكرة اتخاذ العجل إلهاً.
وللأسف فإن أناساً من الشيعة أخذوا يتوجهون إلى الأموات، ولم يشعروا أنهم قبلوا هذه الفكرة بعد أن استضعفوا فكرياً، وتمت السيطرة على عقولهم، وهم لا يعلمون.
كما أن من ألوان الاستضعاف الذي يتعرض له الشيعة؛ الاستضعاف الأخلاقي، عن طريق استعمال المرأة في المتعة، مما يؤدي إلى هدم القيم لدى الرجال والنساء على السواء، وبالتالي يتم السيطرة.
كما أن من السيطرة وألوان التسلط؛ قتل من يسعى إلى التعقل والفهم الصحيح، وهذا شبيه بفعل الفراعنة القدماء، كما تنصّ الآية الكريمة: ((يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ))[القصص:4].
فالحاصل أن انفصال فرقة عن عامة المسلمين وإحداث الشِيَعَ عملٌ فرعوني، كما في هذه الآية: (( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا ))[القصص:4]، وهذا العمل الفرعوني خلاف ما أراد الله بحق المستضعفين، فقد شاء الله تعالى أن يجعل منهم قدوة وأئمة للعالمين، ويري الله تعالى فرعون وهامان كيف مكّن المستضعفين من إسقاط فرعون بعد ما كانوا يستضعفونهم في الأرض، ويقتّلونهم لأجل حفظ سلطتهم.
قوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)) [الأنعام:159].
ويقول الله سبحانه في الآية الثالثة التي يخاطب فيها رسوله، مبيناً فيها حقيقة مهمة وهي: أن الذين يعملون باسم الدين والمذهب والإسلام، ولكنهم يتحزبون أولئك ليسوا بمسلمين حقيقة، وكأن الله يقول: هؤلاء ليسوا منكم ولو عملوا باسم الدين وباسم الله وباسم محمد وباسم علي وباسم الحسين؛ لأن هذه الطريقة تؤول بكم إلى الفرقة، والذي يسعى لذلك لا يمكن أن يكونوا منكم، ولا أن تكونوا منه، كما يقول الله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)) [الأنعام:159] أي: وأمرهم وعاقبتهم إلى الله، حيث سينبّئهم الله تعالى كيف كانوا يعملون.
قوله تعالى: (( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ))[الأنعام:65]^.
وفي هذه الآية يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: قل للذين يفرقون بين المسلمين ويجعلون الناس شيعاً: إن الله قادر على أن يبعث (عليكم) أنواع العذاب والمصائب، سواءً كان العذاب سماوياً أو أرضياً: (( مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ))[الأنعام:65]، وليس هذا هو أسوأ العذاب، بل أشده ما يحصل بينكم من التفرق والتشتت في أمر دينكم ودنياكم، وما يتبع ذلك من ضيق العيش عليكم بسبب ذلك.
والسؤال: لماذا يتمسك بعض المسلمين بالاختلاف ويركزون على الشتائم، ولعن بعضهم بعضاً، والحال أنهم كلّهم على دين واحد؟
وإذا كان التفرق في الدين والانقسام إلى شِيَعٍ من أسوأ العذاب فعلينا أن نقرّ بأن الأمة الإسلامية قد حل عليها عذاب إلهي بسبب تفرقهم إلى مذاهب، وأوجدت بينهم العداوة ومن ثم ظهور الفتن بينهم التي ضيقت عيشهم.
ولشدّة التفرق والتحزب أخذ بعضهم يؤلف الكتاب يرد على خصمه، وفي سبيل ذلك يلجأ إلى تأليف الأحاديث، أو تحريف معاني الآيات، كل هذا من أجل إسقاط من يقابله، وهذا من أعظم وأسوأ العذاب الذي قد ابتلينا به، خاصةً الشعب الإيراني، وفي آخر الآية يقول سبحانه وتعالى: ((انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ))، أي: انظر كيف نشرح الآيات حتى يفهم المسلمون أن فهم هذه المسألة صعب. وقد يكون التفرق والتشتت والتعصب مانع عن فهم حقيقة هذه المسألة.
فالآن أستطيع أن أقول صراحة، ولعلّكم توافقونني أيضاً على رأيي، وهو: أن الواجب هو نبذ كل هذه الأسماء والمذاهب من أجل العودة إلى الإسلام الصحيح، وأنا شخصياً أكرر في البحوث المختلفة، وفي أشعاري أنني لست شيعياً ولا تابعاً لأحد من الفرق الدينية، بل أنا مسلم ومتّبع للدين الإسلامي، كمثل إبراهيم عليه السلام، حيث يقول سبحانه: ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [آل عمران:67]، وقد أمرنا الله تعالى باتباعه فقال: ((وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)) [النساء:125]، وأكد الأمر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاصة فقال: ((قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [الأنعام:161]، وقال تعالى آمراً رسوله: ((وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [يونس:105]، ثم قال: ((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [النحل:120]، ويحكي الله تعالى حال إبراهيم عليه السلام بقوله: ((إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) [الأنعام:79]، وكذلك الآيات الأخرى في هذا الباب تثبت وتؤكد أن كل مسلم مكلّف بالدين الإسلامي فقط لا غير، وأن عدم الالتزام بهذا من الأسباب التي تؤدي ببعض الأمة إلى الشرك، وبناء عليه فالواجب على كل مكلف أن ينتسب للإسلام فقط، وليس له الحق بأن يضم شيئاً من المذاهب إلى الإسلام ويقول: هذا إسلامي ومذهبي.
والذي زادني قناعةً بهذه الفكرة، هو أن القرآن الكريم نهى عن التفرق والتحزب، رغم هذا كان أول من أظهر له اسماً خاصاً هم الشيعة ، وهذا يخالف الآيات القرآنية، وفي زماننا خرجت طائفة من المسلمين في مركز الإسلام(مكة المكرمة) والمدينة المنورة، ويظهرون أنفسهم متدينين، ويتخذون قتل الحجيج قربة إلى الله، تماماً كما قتلوا عثمان رضي الله عنه خليفة المسلمين، ليكون علي خليفة بعده، ويسمون أنفسهم باسم شيعة عليّ..
إنني أقول وأنا متيقن: إن دوافع التشيع منذ البداية كانت سياسيةً، وأن بعض المخربين كانوا يريدون باسم هذه الطائفة وبتشريعاتها السيئة صدّ الناس عن فهم القرآن.
نعم أنا أعتقد ذلك لا غير.