موقع البرهان - نماذج من الصحابة تجاه أهل البيت

إن العلاقة بين الصحابة بعضهم البعض وآل البيت، هي خير علاقة وأفضل صلة، فالخير كل الخير فيما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدين كل الدين ما اتبعهم عليه صالحوا التابعين، ثم مشى على آثارهم فيه التابعون لهم بإحسان، وهو المتمثل في منهج أهل السنة والجماعة.<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> فالصحابة خير أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بشهادة الله لهم وشهادة رسوله صلى الله عليه وسلم، وليسوا في حاجة إلى تعديل بعد ذلك، وإن من أكذب الكذب، وأعظم الفجور، زعم الزاعمين، وكذب الكافرين أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يضمر بعضهم لبعض العداوة والبغضاء، وخاصة لأهل البيت منهم.<o:p></o:p> كيف يحصل هذا وقد وصفهم الله سبحانه وتعالى بأعظم وصف فقال:<o:p></o:p> (( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ.. ))[الفتح:29]، فمن صفاتهم رضي الله عنهم الشدة والغلظة على أهل الكفر والإلحاد، والتراحم والتعاطف فيما بينهم.<o:p></o:p> قال شيخ الإسلام ابن تيمية في معنى الآية: (ولا ريب أن هذا مدح لهم بما ذكر من الصفات، وهي الشدة على الكفار والرحمة بينهم).<o:p></o:p> وكما قال تعالى: (( فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ))[المائدة:54].<o:p></o:p> قال ابن كثير : (هذه صفات المؤمنين الكُمَّل، أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه، معززاً على خصمه وعدوه، وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتَّال: فهو ضحوك لأوليائه قتَّال لأعدائه).<o:p></o:p> فهذه صفة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعضهم البعض، كما هي صفتهم مع أعدائهم أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، (وكل من اقتفى أثر الصحابة رضي الله عنهم فهو في حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم، وجعل جنات الفردوس مأواهم وقد فعل).<o:p></o:p> وكما خاطبهم الله عز وجل في قوله تعالى: (( وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى ))[الحديد:10] والله لا يخلف وعده.<o:p></o:p> مع قوله جل وعلا: (( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ))[آل عمران:110]، فأصل الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعم سائر أمته.<o:p></o:p> قال الخطيب البغدادي عند ذكره لهذه الآية: وهذا اللفظ وإن كان عاماً فالمراد به الخاص، وقيل: هو وارد في الصحابة.<o:p></o:p> فالصحابة رضي الله عنهم هم أول وأفضل من دخل هذه الآية، وقد حازوا قصب السبق في هذه الخيرية، لما استقر في قلوبهم من الإيمان بالله، واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم أولى من خوطب بها.<o:p></o:p> وقد ثبت في السنة تلك الخيرية ومدى المحبة والمودة بينهم رضي الله عنهم، فقد روى الشيخان من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: { سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم.. } الحديث.<o:p></o:p> وروى الشيخان أيضاً من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم } قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة.<o:p></o:p> ففي ذلك دلالة واضحة على أن الصحابة رضي الله عنهم هم خير القرون المفضلة، وأكرمهم على الله تعالى، ولا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وليس المراد استيفاؤها.<o:p></o:p> قال النووي : اتفق العلماء على أن خير القرون قرنه صلى الله عليه وسلم، والمراد الصحابة.<o:p></o:p> قلت: فهم أهل الخير في كل شيء: في الإيمان والتقوى.. في الطاعة والاتباع.. في التراحم والود.. في المحبة وحسن الخلق.<o:p></o:p> قال السفاريني في وصفهم: (فأحق الأمة بإصابة الصواب أبرها قلوباً وأعمقها علوماً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً، من غير شك ولا ارتياب.. فكل خير وإصابة وحكمة، وعلم ومعارف ومكارم، إنما عرفت لدينا ووصلت إلينا من الرعيل الأول، والسرب الذي عليه المعول، فهم الذين نقلوا العلوم والمعارف عن ينبوع الهدى ومنبع الاهتداء).<o:p></o:p> وما يزعمه بعض الحاقدين والمارقين من أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا إخواناً، ولم يكونوا رحماء بينهم، وإنما كانوا أعداء يلعن بعضهم بعضاً، ويمكر بعضهم ببعض، بغياً وعدواناً، وأنهم يؤذون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، كل هذا من الفحش البين البطلان، فـأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية والحسن والحسين وسائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسمى من ذلك وأنبل، فهم أوفى لإسلامهم ورحمهم وقرابتهم، وأوثق صلة وأعظم تعاوناً على الحق، رغم أنوف الحاقدين وكيد المبغضين الذين يريدون هدم الإسلام وتقويض أساسه، والقدح في الكتاب والسنة.<o:p></o:p> قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، بعد أن ذكر جملة من الأحاديث الواردة في فضائل الصحابة: (وهذه الأحاديث مستفيضة ومتواترة في فضائل الصحابة والثناء عليهم، وتفضيل قرنهم على من بعدهم من القرون، والقدح فيهم قدح في القرآن والسنة).<o:p></o:p> بل إن المدح في خير القرون الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح في الرسول، وطعن في الرسالة كما قال مالك وغيره من أئمة العلم: (إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك، فقدحوا في أصحابه حتى يقال: رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين) ، وكفى بذلك قبحاً وزندقة، وهذا هو حال الرافضة الذين يتبرءون من جل الصحابة، كما هو حال النواصب من الخوارج وغيرهم، الذين يبغضون وينتقصون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فعليهم من الله ما يستحقون.<o:p></o:p> وإليك نماذج من سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، ومن سار على نهجهم من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والتي بنوها على المحبة والمودة والرحمة والإخاء، فضلاً عن المصاهرة وصلة الرحم، فرضي الله عن الجميع وأرضاهم، وذلك في المطالب التالية: <o:p></o:p> المطلب الأول: المحبة المتبادلة بين آل البيت وكبار الصحابة :-<o:p></o:p> العلاقة بين الصحابة وآل البيت أشهر من أن تعرف، فهي علاقة مودة ومحبة وطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهي واضحة وبينة لمن صح إسلامه وصلح قلبه، ومرادي من كبار الصحابة في هذا المطلب الخلفاء الراشدين الثلاثة الأول: أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وعلاقاتهم مع آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك في ثلاث مسائل: <o:p></o:p> المسألة الأولى: في ما ورد عن أبي بكر و عمر في آل البيت رضي الله عن الجميع :-<o:p></o:p> روى البخاري بإسناده إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: [[ ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته ]].<o:p></o:p> فـالصديق رضي الله عنه -كما تقدم في الحقوق الواجبة لآل البيت- يوصي الناس في حفظ حقوق آل البيت من المراعاة والاحترام والإكرام لهم، وقد حقق رضي الله عنه وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أهل بيته.<o:p></o:p> فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما بإسنادهما إلى أبي بكر رضي الله عنه، أنه قال لـعلي رضي الله عنه: [[ والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ أن أصل من قرابتي ]].<o:p></o:p> وقد شهد الفاروق رضي الله عنه لـعلي بن أبي طالب بأن المصطفى صلى الله عليه وسلم التحق بالرفيق الأعلى وهو عنه راض، كما شهد له بحل المعضلات والبراعة في القضاء.<o:p></o:p> فقد جاء في صحيح البخاري أنه [[ لما قيل له رضي الله عنه: أوصي يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر -أو الرهط - الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، فسمى علياً وعثمان والزبير وطلحة وسعداً وعبد الرحمن ]].<o:p></o:p> وروى ابن عبد البر بإسناده إلى سعيد بن المسيب قال: [[ كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن ]].<o:p></o:p> وروى أنه قيل لـعمر رضي الله عنه: [[ إنك تصنع بـعلي -يعني من الإكرام- شيئاً لا تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه مولاي ]].<o:p></o:p> وقد كان أبو بكر رضي الله عنه يحب ويجل الحسن والحسين ويمازحهما، فقد روى البخاري بسنده إلى عقبة بن الحارث قال: [[ رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيهاً بـعلي ، وعلي يضحك ]].<o:p></o:p> وقال الحافظ ابن كثير : وقد كان الصديق يجله -أي: الحسن - ويعظمه ويكرمه ويحبه ويتفداه، وكذلك عمر بن الخطاب ، وذلك أنه لما وضع الديوان بدأ بأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؛ لبيان فضلهم وعلو منزلتهم.<o:p></o:p> فقد روى الذهبي : أن عمر لما دون الديوان، ألحق الحسن والحسين بفريضة أبيهما، لقرابتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرض لكل منهما خمسة آلاف درهم.<o:p></o:p> ومن المحبة التي كان يكنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عباس رضي الله عنهما، أنه كان يدخله في مجلس كبار الصحابة من مشيخة بدر رضي الله عنهم، وقد كان لهم أبناء في سنة، ولم يحظ بهذا التكريم سواه، وفي هذا بيان لفضيلته ومكانته العلمية لدى الفاروق رضي الله عنهم أجمعين، فقد روى البخاري بإسناده إلى ابن عباس قال: [[ كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فقال بعضهم: لم تدخل هذا الفتى معنا، ولنا أبناء مثله؟ فقال: إنه ممن قد علمتم، فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في: (( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ))[النصر:1]* (( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً ))[النصر:2]؟ حتى ختم السورة، فقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يا ابن العباس أكذلك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له، إذا جاء نصر الله، والفتح: مكة ، فذاك علامة أجلك، فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان تواباً، قال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم ]].<o:p></o:p> قال الحافظ ابن حجر : وأخرج البغوي في معجم الصحابة من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: كان عمر يدعو ابن عباس ويقربه ويقول: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاك يوماً فمسح رأسك وقال: { اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل }.<o:p></o:p> ففعل عمر رضي الله عنه هذا تقريراً لجلالة قدر ابن عباس ، وبيان كبير منزلته في العلم والفهم، وقد ذكر الحافظ ابن كثير أن عمر رضي الله عنه كان يقول: [[ نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس -وكان يقول إذا أقبل- جاء فتى الكهول، وذو اللسان السئول والقلب العقول ]].<o:p></o:p> وقد بين الفاروق رضي الله عنه للأمة عامة فضل العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدى احترامه وتواضعه ومعرفته لحقه، وذلك عندما استسقى به كما تقدم.<o:p></o:p> بل قد أقسم رضي الله عنه للعباس أن إسلامه أحب إليه من إسلام أبيه لو أسلم؛ لأن إسلام العباس أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.<o:p></o:p> ومما يؤكد تلك المحبة والمودة ما حصل بينهم رضي الله عنهم من مصاهرة ورحم، فقد كانت العلاقة بين بيت النبوة وبيت الصديق وعمر رضي الله عنهم وثيقة لا يتصور معها التباعد والاختلاف، فالصديقة عائشة بنت الصديق أبي بكر كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أحب نسائه إليه، كما كان أبوها رضي الله عنه أحب الرجال إلى النبي صلى الله عليه وسلم.<o:p></o:p> كما كانت حفصة بنت عمر رضي الله عنهما زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم وأماً للمؤمنين.<o:p></o:p> فهذه منزله آل البيت عند أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولننظر في منزلتهما عند آل البيت ومدى احترامهم وتقديرهم لهم، وذلك في المسألة التالية: <o:p></o:p> المسألة الثانية: في ما ورد عن آل البيت في حق أبي بكر وعمر رضي الله عن الجميع :-<o:p></o:p> لقد ورد الثناء على الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما من آل البيت، وتواتر ذلك عنهم تواتراً قطعياً ما ينكره إلا مكابر ومعاند، وسأورد في هذا المطلب جملة مما نقل عن آل البيت في حقهما؛ ليتبين للعاقل براءة آل البيت مما تنسبه الرافضة إليهم كذباً وزوراً، وليتضح بطلان ذلك الزعم والتأويل الفاسد من أن تلك الأقوال صدرت عنهم تقية ومداراة.<o:p></o:p> فقد ثبت عن علي رضي الله عنه بما لا يدع مجالاً للشك القول بتفضيل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:<o:p></o:p> 1/ فقد روى البخاري بإسناده إلى أبي يعلى عن محمد بن الحنفية قال: [[ قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر ، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر ، وخشيت أن يقول: عثمان ، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين ]].<o:p></o:p> 2/ وروى البخاري ومسلم بإسنادهما إلى ابن أبي مليكة أنه سمع ابن عباس يقول: وضع عمر على سريره فتكنفه الناس يدعون ويصلون قبل أن يرفع وأنا فيهم، فلم يرعني إلا رجل أخذ منكبي، فإذا علي بن أبي طالب ، فترحم على عمر ، وقال: ما خلفت أحداً أحب إليّ أن ألقى الله بمثل عمله منك، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت أني كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر }.<o:p></o:p> وفي ذلك دلالة واضحة على تفضيله رضي الله عنه لهما.<o:p></o:p> قال ابن حجر : (وفي هذا الكلام أن علياً لا يعتقد أن لأحد عملاً في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر ، وقد أخرج ابن أبي شيبة ومسدد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي نحو هذا الكلام ، وسنده صحيح وهو شاهد جيد لحديث ابن عباس لكون مخرجه عن آل علي رضي الله عنهم.<o:p></o:p> 3/ روى الإمام أحمد بإسناده عن شقيق قال: [[ قيل لـعلي : ألا تستخلف؟ قال: ما استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستخلف عليكم، وإن يرد الله تبارك وتعالى بالناس خيراً فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم ]]. <o:p></o:p> 4/ وروى الحسن البصري عن قيس بن عباد ، قال: [[ قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ليالي وأياماً ينادي بالصلاة فيقول: مروا أبا بكر يصلي بالناس فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم نظرت، فإذا الصلاة علم الإسلام، وقوام الدين فرضينا لدنيانا من رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فبايعنا أبا بكر ]].<o:p></o:p> 5/ وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن سيار أبي الحكم [[ أن أبا بكر لما ثقل أطلع رأسه إلى الناس من كوة، فقال: يا أيها الناس إني قد عهدت عهداً أفترضون به؟ فقام الناس فقالوا: قد رضينا، فقام علي فقال: لا نرضي إلا أن يكون عمر بن الخطاب ]].<o:p></o:p> 6/ وروى الإمام أحمد وغيره بأسانيد إلى علي رضي الله عنه أنه قال لـأبي جحيفة : [[ ألا أخبرك بأفضل هذه الأمة بعد نبيها؟ قال: قلت: بلى، ولم أكن أرى أحداً أفضل منه، قال: أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وبعد أبي بكر عمر ، وبعدهما آخر ثالث ولم يسمه ]].<o:p></o:p> 7/ وروى الإمام أحمد أيضاً بإسناده إلى عبد خير قال: سمعت علياً يقول: [[ خير هذه الأمة بعد نبيها وخير الناس بعد نبيها صلى الله عليه وسلم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم أحدثنا أحداثاً يقضي الله تعالى فيها ما أحب ]].<o:p></o:p> 8/ وروى ابن عبد البر بإسناده إلى النزال بن سبرة عن علي عليه السلام قال: [[ خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ]].<o:p></o:p> قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر كما تواتر ذلك عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب موقوفاً ومرفوعاً، وكما دل على ذلك الكتاب والسنة واتفق عليه سلف الأمة وأئمة العلم والسنة).<o:p></o:p> وقال أيضاً: ويروى هذا عن علي بن أبي طالب من أكثر من ثمانين وجهاً.<o:p></o:p> بل ثبت عنه رضي الله عنه أنه قال: [[ لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري ]].<o:p></o:p> فمن فضله على أبي بكر وعمر جلد بمقتضى قوله رضي الله عنه ثمانين سوطاً ، فكيف بمن تنقصهما أو سبهما كما تفعله الرافضة عليهم من الله ما يستحقون.<o:p></o:p> وبهذه النقول تتبين منزلة أبي بكر وعمر عند علي رضي الله عنهم، والتي فيها الدليل القاطع والبرهان الساطع، على أنه رضي الله عنه يعلم ما لهما من المنزلة والاختصاص برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ليس له ولا لغيره من الصحابة رضوان الله على الجميع.<o:p></o:p> (والرافضة لما لم يكن باستطاعتهم إنكار صدور هذا القول منه لظهوره عنه، بحيث لا ينكره ألا جاهل بالآثار أو مباهت قالوا: إنما قال علي ذلك تقية... وأحسن ما يقال في هذا المحل: (ألا لعنة الله على الكاذبين).. وقول الرافضة : إنما ذكر علي رضي الله عنه ذلك تقية، محض كذب وافتراء على الله، إذ كيف يتوهم ذلك من له أدنى عقل أو فهم، مع ذكره له في الخلاء ومدة خلافته؛ لأنه قاله على منبر الكوفة ، وهو لم يدخلها إلا بعد فراغه من حرب أهل البصرة ، وذلك أقوى ما كان أمراً وأنفذ حكماً).<o:p></o:p> ومما يبطل ويكذب تلك التقية المشئومة: ما ثبت عن بقية آل البيت رضي الله عنهم أجمعين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (والنقل الثابت عن جميع علماء أهل البيت، من بني هاشم من التابعين وتابعيهم، من ولد الحسين بن علي ، وولد الحسن ، وغيرهما، أنهم كانوا يتولون أبا بكر وعمر ، وكانوا يفضلونهما على علي ، والنقول عنهم ثابتة متواترة).<o:p></o:p> قلت وإليك جملة منها:<o:p></o:p> فقد روى الحاكم بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: (ولينا أبو بكر فكان خير خليفة الله، وأرحمه بنا وأحناه علينا).<o:p></o:p> وروى الدارقطني بإسناده عن ابن أبي حازم عن أبيه قال: قيل لـعلي بن الحسين : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [[ كمنزلتهما اليوم وهما ضجيعاه ]].<o:p></o:p> وروى الذهبي بسنده إلى بسام الصيرفي قال: [[ سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر ، فقال: والله إني لأتولاهما وأستغفر لهما، وما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا ويتولاهما ]].<o:p></o:p> قال ابن كثير عند ترجمته لـأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين وثنائه عليه، وأنه أحد أعلام هذه الأمة علماً وعملاً وسيادة وشرفاً، قال: وهو أحد من تدعي فيه طائفة الشيعة أنه أحد الأئمة الاثنى عشر، ولم يكن الرجل على طريقهم ولا على منوالهم، ولا يدين بما وقع في أذهانهم وأوهامهم وخيالهم، بل كان ممن يقدم أبا بكر وعمر ، وذلك عنده صحيح في الأثر.<o:p></o:p> وروى الإمام أحمد بسنده إلى كثير النواء قال: [[ سألت أبا جعفر عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فقال: تولهما فما كان منهما إثم فهو في عنقي ]].<o:p></o:p> وقد تبرأ رحمه الله ورضي عنه مما تنسبه إليه الرافضة ، فعن جابر الجعفي عن محمد بن علي قال: [[ يا جابر ! إن أقواماً بـالعراق يزعمون أنهم يحبوننا ويتناولون أبا بكر وعمر ، ويزعمون أني أمرتهم، فأبلغهم أني إلى الله بريء منهم، والذي نفس محمد بيده، لو وليت لتقربت إلى الله بدمائهم، لا نالتني شفاعة محمد إن لم أكن أستغفر لهما وأترحم عليهما ]].<o:p></o:p> [[ وقد سئل رضي الله عنه عن قوم يسبون أبا بكر وعمر فقال: أولئك المراق ]].<o:p></o:p> وروى الدارقطني وغيره عن أبي جعفر الباقر أنه قال: [[ من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة ]].<o:p></o:p> وروى أبو نعيم بإسناده عن عروة بن عبد الله [[ سألت أبا جعفر عن حلية السيف، فقال: لا بأس به، قد حلى أبو بكر الصديق سيفه، قال: قلت: وتقول الصديق ؟ قال: فوثب وثبة واستقبل القبلة، ثم قال: نعم الصديق ، نعم الصديق ، فمن لم يقل: الصديق ، فلا صدق الله له قولاً في الدنيا والآخرة ]].<o:p></o:p> ومما يبطل تلك التقية المشئومة التي اتخذها الرافضة ستاراً لترويج باطلهم، ما جاء عنه أيضاً عندما سئل عن أبي بكر وعمر فقال: [[ إني أتولاهما، فقيل له: إنهم يزعمون أن ذلك تقية، فقال: إنما يتقى الأحياء ولا يتقى الأموات ]].<o:p></o:p> وذكر هشام بن عبد الملك فقال: [[ فعل الله به وفعل ]].<o:p></o:p> قلت: فإذا كان هذا هو حال الباقر في عدم الخوف في ذلك الزمن مع قلة الأنصار، فكيف بـعلي رضي الله عنه في زمن خلافته.<o:p></o:p> قال ابن حجر الهيتمي : فانظر ما أبين هذا الاحتجاج وأوضحه، من مثل هذا الإمام العظيم المجمع على جلالته وفضله. بل أولئك الأشقياء يدعون فيه العصمة، فيكون ما قاله واجب الصدق، ومع ذلك فقد صرح لهم ببطلان تلك التقية المشئومة عليهم، واستدل لهم على ذلك بأن اتقاء الشيخين بعد موتهما لا وجه له، إذ لا سطوة لهما حينئذ، ثم بين لهم بدعائه على هشام الذي هو والي زمنه وشوكته قائمة، إنه إذا لم يتقه مع أنه يخاف ويخشى لسطوته وقوته وقهره، فكيف مع ذلك يتقى الأموات الذين لا شوكة لهم ولا سطوة.<o:p></o:p> بل قد ثبت ذلك أيضاً عن ابنه جعفر الصادق ، والذي يعد الإمام السادس المعصوم عند الرافضة.<o:p></o:p> فعن سالم بن أبي حفصة قال: [[ سألت أبا جعفر وابنه جعفراً عن أبي بكر وعمر ؟ فقالا لي: يا سالم ، تولهما وابرأ من عدوهما، فإنهما كانا إمامي هدى ]].<o:p></o:p> وقد علق الذهبي رحمه الله على هذه الرواية بقوله: كان سالم فيه تشيع ظاهر، ومع هذا فيبث هذا القول الحق، وإنما يعرف الفضل لأهل الفضل ذو الفضل، وكذلك ناقلها ابن فضيل شيعي ثقة، فعثر الله شيعة زماننا ما أغرقهم في الجهل والكذب، فينالون من الشيخين وزيري المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويحلمون هذا القول من الباقر والصادق على التقية.<o:p></o:p> قلت: ولم يكونوا في هذا العصر بأحسن حالاً من عصر الذهبي رحمه الله، بل زادوا جهلاً وكذباً وبعداً عن الإسلام وشرائعه، بل ما كان غلواً في السابق أصبح من ضروريات المذهب.<o:p></o:p> وما ذكر عن سالم وابن فضيل ، فهذا هو حال الشيعة الأولى، الذين كانوا في عصر علي رضي الله عنه حيث لم يكن فيهم من يظهر تنقصاً لـأبي بكر وعمر ، ولا فيهم من يقدم علياً عليهما، وقد نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فبعد أن ذكر أنه تواتر عن علي القول بتفضيل الشيخين قال: ولهذا كانت الشيعة المتقدمون الذين صحبوا علياً أو كانوا في ذلك الزمان، لم يتنازعوا في تفضيل أبي بكر وعمر ، وإنما كان نزاعهم في تفضيل علي وعثمان ، وهذا مما يعترف به علماء الشيعة الأكابر من الأوائل والأواخر، حتى ذكر مثل ذلك أبو القاسم البلخي ، قال: سأل سائل شريك بن عبد الله بن أبي نمر فقال له: [[ أيهما أفضل أبو بكر أو علي ؟ فقال له: أبو بكر ، فقال له السائل: أتقول هذا وأنت من الشيعة ؟ فقال: نعم، إنما الشيعي من قال مثل هذا، والله لقد رقى علي هذه الأعواد، فقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ، أفكنا نرد قوله؟ أكنا نكذبه؟ واللّه ما كان كذاباً ]].<o:p></o:p> وروى اللالكائي بإسناده عن ليث بن أبي سليم قال: (أدركت الشيعة الأولى ما يفضلون على أبي بكر وعمر أحداً).<o:p></o:p> فهذا هو قول الشيعة الأولى، وهو قول سائر أهل البيت، فقد روى الإمام أحمد بسنده إلى عمرو بن قيس قال: سمعت جعفر بن محمد بن علي يقول: [[ برئ الله ممن تبرأ من أبي بكر وعمر ]].<o:p></o:p> قال الذهبي بعد إيراده: قلت: هذا القول متواتر عن جعفر الصادق ، وأشهد بالله إنه لبار في قوله غير منافق لأحد، فقبح الله الرافضة.<o:p></o:p> وفي رواية عن سالم بن أبي حفصة قال: قال لي جعفر : [[ يا سالم ، أبو بكر جدي، أيسب الرجل جده؟ قال: وقال لي: لا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم في القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما ]].<o:p></o:p> وروي اللالكائي بسنده أن جعفر بن محمد كان يقول: [[ ما أرجو من شفاعة علي شيئاً إلا أنا أرجو من شفاعة أبي بكر مثله، ولقد ولدني مرتين ]].<o:p></o:p> ومعنى هذا الكلام -أن أبا بكر جده مرتين- وذلك أن أم جعفر بن محمد هي أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، فـأبو بكر جده من وجهين، ولهذا كان يقول: [[ ولدني أبو بكر الصديق مرتين ]].<o:p></o:p> وعن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: [[ البراءة من أبي بكر براءة من علي ، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر ]].<o:p></o:p> وزيد هذا هو الذي بسببه سمي الذين يتبرءون من أبي بكر وعمر بـالرافضة ؛ وذلك أنه لما خرج جاءت الرافضة إليه فقالوا: تبرأ من أبي بكر وعمر حتى ننصرك، قال: بل أتولاهما، قالوا: إذاً نرفضك، فسميت الرافضة.<o:p></o:p> وقد أخطأ من نسب إلى زيد رحمه الله أنه كان يرى أن علياً أفضل من أبي بكر وعمر كما تزعم الزيدية ، وأنه كان يجوز إمامتهما على أساس القول بجواز إمامة المفضول مع وجود الأفضل بل الثابت عنه أن كان يعتقد أفضليتهما على علي رضي الله عنه، وأنهما استحقا الإمامة بذلك الفضل.<o:p></o:p> فقد روى ابن عساكر عن آدم بن عبد الله الخثعمي وكان من أصحاب زيد ، قال: [[ سألت زيداً عن قوله تعالى: (( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ))[الواقعة:10]* (( أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ))[الواقعة:11] من هؤلاء؟ قال: أبو بكر وعمر ، ثم قال: لا أنالني الله شفاعة جدي إن لم أوالهما ]].<o:p></o:p> وذكر عن كثير الكوفي ، أنه قال: سألت [[ زيداً عن أبي بكر وعمر فقال: تولهما، فقلت له: كيف تقول فيمن تبرأ منهما، قال: ابرأ منه حتى تموت ]].<o:p></o:p> وروى اللالكائي بسنده عن زيد بن علي أنه قال: [[ أبو بكر الصديق إمام الشاكرين، ثم تلا: (( وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ))[آل عمران:144] ]]. وعنه أيضاً أنه قال: [[ البراءة من أبي بكر وعمر البراءة من علي عليه السلام ]].<o:p></o:p> وذكر ابن جرير الطبري رحمه الله أنه عندما أظهر الرافضة في زمنه الطعن على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، منعهم من ذلك وقال لهم: [[ ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما ولا يقول فيهما إلا خيراً ]]. وبهذا يتبين أنه كان يعترف بفضل الشيخين على علي رضي الله عنهم وأحقية إمامتهما، وأنه متبع لأهل بيته الذين سبقوه في هذا الاعتقاد، وهو قول آل البيت باتفاق، وقد نص محمد بن علي الباقر الإمام الخامس المعصوم عند الرافضة على إجماع أولاد فاطمة على ذلك.<o:p></o:p> فقد روى الذهبي بإسناده عن جابر الجعفي عن محمد بن علي قال: [[ أجمع بنو فاطمة على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول ]].<o:p></o:p> وذكر ابن كثير عنه قوله فيهما أيضاً: [[ ما أدركت أحداً من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما رضي الله عنهما ]].<o:p></o:p> وبهذه النقول عن آل البيت من ولد علي رضي الله عنهم، والتي تنص على ثنائهم وتقديمهم لـأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فضلاً عن محبتهما، يتبين للعاقل أن الرافضة ومن سلك مسلكهم ليسوا متعلقين في الإسلام بشيء، ولا متمسكين بقول أحد من القرابة أو الصحابة رضوان الله عليهم.<o:p></o:p> المسألة الثالثة: في ما ورد عن آل البيت في حق عثمان بن عفان رضي الله عنه :-<o:p></o:p> ولقد ورد الثناء من آل البيت على عثمان رضي الله عنه، حاله كحال صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بل قد نال ما هو أعظم من شرف مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنتيه الواحدة تلو الأخرى، وقال: { لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان }.<o:p></o:p> وسمي ذو النورين بذلك إذ لم يعرف أحد جمع بين بنتي نبي غيره رضي الله عنه وأرضاه.<o:p></o:p> قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وهكذا مصاهرة عثمان لم يزل فيها حميداً، لم يقع منه ما يعتب عليه فيها حتى قال: { لو كان عندنا ثالثة لزوجناها عثمان }، وهذا يدل على أن مصاهرته للنبي صلى الله عليه وسلم أكمل من مصاهرة علي له.<o:p></o:p> وقد كان علي رضي الله عنه وآل البيت يجلونه ويعترفون بحقه، فكان أول من بايعه بعد عبد الرحمن بن عوف علي بن أبي طالب.<o:p></o:p> وعن قيس بن عباد قال: [[ سمعت علياً رضي الله عنه وذكر عثمان فقال: هو رجل قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة ]]. <o:p></o:p> وقد شهد رضي الله عنه له بالجنة.<o:p></o:p> فعن النزال بن سبرة قال: سألت علياً عن عثمان فقال: [[ ذاك امرؤ يدعى في الملأ الأعلى ذا النورين ، كان ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنتيه، ضمن له بيت في الجنة ]].<o:p></o:p> وكان رضي الله عنه طائعاً معترفاً بإمامته وخلافته لا يعصي له أمراً، فقد روى ابن أبي شيبة بإسناده عن ابن الحنفية عن علي قال: [[ لو سيرني عثمان إلى صرار لسمعت وأطعت ]].<o:p></o:p> والصرار: هو الخيط الذي تشد به التوادي على أطراف الناقة لئلا يرضعها ولدها وفيه دليل على مدى اتباعه وطاعته لـعثمان رضي الله عنه. <o:p></o:p> ولما جمع عثمان رضي الله عنه الناس على قراءة واحدة، بعد استشارة الصحابة رضوان الله عليهم وإجماعهم على ذلك، قال علي رضي الله عنه: [[ لو وليت الذي وليّ لصنعت مثل الذي صنع ]].<o:p></o:p> كما كان عثمان رضي الله عنه يكرم الحسن والحسين ويحبهما، فلما أحصر في الدار كان الحسن بن علي عنده، ومعه السيف متقلداً به يدافع عنه، فخشي عثمان رضي الله عنه عليه فأقسم عليه ليرجعن إلى منزله تطبيباً لقلب علي ، وخوفاً عليه رضي الله عنه.<o:p></o:p> وقد روى أحمد بسنده [[ أن أبا قتادة ورجلاً آخر معه من الأنصار دخلا على عثمان وهو محصور فاستأذناه في الحج فأذن لهما ثم قالا: مع من نكون إن ظهر هؤلاء القوم؟ قال: عليكم بالجماعة، قالا: أرأيت إن أصابك هؤلاء القوم، وكانت الجماعة فيهم؟ قال: الزموا الجماعة حيث كانت، فخرجنا من عنده، فلما بلغنا باب الدار لقينا الحسن بن علي داخلاً، فرجعنا على إثر الحسن لننظر ما يرد، فلما دخل الحسن عليه قال: يا أمير المؤمنين أنا طوع يدك فمرني بما شئت، فقال له عثمان : يا ابن أخي ارجع فاجلس في بيتك حتى يأتي الله بأمره، فلا حاجة لي في هراقة الدماء ]].<o:p></o:p> وروى ابن أبي شيبة بإسناده إلى أبي قلابة قال: [[ جاء الحسن بن علي إلى عثمان فقال: أخترط سيفي؟ قال: لا، أبرأ إلى الله إذاً من دمك، ولكن ثم سيفك وارجع إلى أبيك ]].<o:p></o:p> وكان في من ذهب للدفاع عنه ولزوم الباب حبر هذه الأمة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس ، ولما أمّره رضي الله عنه في تلك الأيام على الحج قال: [[ والله يا أمير المؤمنين، لجهاد هؤلاء أحب إليَّ من الحج فأقسم عليه لينطلقن ]].<o:p></o:p> ولقد أنكر علي رضي الله عنه قتل عثمان ، وتبرأ من دمه، وكان يقسم على ذلك في خطبه وغيرها أنه لم يقتله ولا أمر بقتله، ولا مالأ ولا رضي، وقد ثبت ذلك عنه من طرق تفيد القطع.<o:p></o:p> خلافاً لما تزعمه الرافضة من أنه كان راضياً بقتل عثمان رضي الله عنهما.<o:p></o:p> قال الحاكم بعد ذكر بعض الأخبار الواردة في مقتله رضي الله عنه: (فأما الذي ادعته المبتدعة من معونة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على قتله، فإنه كذب وزور، فقد تواترت الأخبار بخلافه).<o:p></o:p> وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وهذا كله كذب على علي رضي الله عنه وافتراء عليه، فـعلي رضي الله عنه لم يشارك في دم عثمان ، ولا أمر ولا رضي، وقد روي عنه ذلك، وهو الصادق البار).<o:p></o:p> قلت: ومما جاء عن علي رضي الله عنه في ذلك: ما رواه الإمام أحمد بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال: [[ رأيت علياً رافعاً حضنيه يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ]].<o:p></o:p> وروى الحاكم بإسناده عن قيس بن عباد قال: [[ سمعت علياً رضي الله عنه يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاءوني للبيعة، فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة } وإني لأستحيي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد، فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه، ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين فكأنما صدع قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لـعثمان حتى ترضى ]].<o:p></o:p> وروى الإمام أحمد بسنده عن محمد بن الحنفية قال: [[ أبلغ علياً أن عائشة تلعن قتلة عثمان في المربد قال: فرفع يديه حتى بلغ بهما وجهه، فقال: وأنا ألعن قتلة عثمان ، لعنهم الله في السهل والجبل قال مرتين أو ثلاثاً ]]. <o:p></o:p> وروى ابن سعد بسنده عن ابن عباس أن علياً قال: [[ والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله، ولكني نهيت، والله ما قتلت عثمان ولا أمرت، ولكني غلبت، قالها ثلاثاً ]].<o:p></o:p> وجاء عنه أيضاً أنه قال رضي الله عنه: [[ من تبرأ من دين عثمان فقد تبرأ من الإيمان، والله ما أعنت على قتله ولا أمرت، ولا رضيت ]].<o:p></o:p> قلت: وهو الصادق البار بلا يمين. فقبح الله الرافضة ، وقد ثبت وتواتر إنكار ذلك عن بقية آل البيت: فقد روى ابن سعد عن يحيى بن سعيد <o:p></o:p> قال: قال علي بن الحسين : [[ والله ما قتل عثمان رحمه الله على وجه الحق ]].<o:p></o:p> وذكر ابن كثير عن أبي جعفر الباقر أنه قال: [[ كان قتل عثمان على غير وجه الحق ]].<o:p></o:p> وجاء عن عبد الله بن الحسن أنه قد ذكر عنده قتل عثمان فبكى حتى بل لحيته.<o:p></o:p> وروى الإمام أحمد بإسناده عن ابن عباس أنه قال: [[ لو اجتمع الناس على قتل عثمان لرموا بالحجارة كما رمي قوم لوط ]].<o:p></o:p> وفي ذلك دليل واضح للإنكار على قتله، وأن الصحابة وآل البيت لم يرضوا بذلك، وهذا هو القول الحق فيما بين علي وآل البيت وعثمان وبقية الصحابة رضي الله عنهم، لا ما يحكيه الروافض والخوارج وكثير من كتاب التاريخ، والقصاص الذين لا يفحصون الرواية، ولا يدققون النظر في قائليها. <o:p></o:p> لذا قال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر بيعة عثمان ، وكيف حصلت، وأشار إلى بعض ما يذكره المؤرخون حول ذلك: (والمظنون بالصحابة خلاف ما يتوهم كثير من الرافضة وأغبياء القصاص، الذين لا تمييز عندهم بين صحيح الأخبار وضعيفها، ومستقيمها وسقيمها، ومبادها وقويمها، والله الموفق للصواب).<o:p></o:p> وقال في موضع آخر: (وأما ما يذكره بعض الناس من أن بعض الصحابة أسلمه ورضي بقتله، فهذا لا يصح عن أحد من الصحابة أنه رضي بقتل عثمان رضي الله عنه، بل كلهم كرهه، ومقته وسب من فعله).<o:p></o:p> وقال النووي رحمه الله: (وأما عثمان رضي الله عنه فخلافته صحيحة بالإجماع، وقتل مظلوماً، وقتلته فسقة؛ لأن موجبات القتل مضبوطة، ولم يجر منه رضي الله عنه ما يقتضيه، ولم يشارك في قتله أحد من الصحاب، وإنما قتله همج ورعاع من غوغاء القبائل وسفلة الأطراف والأراذل، تحزبوا وقصدوه من مصر ، فعجزت الصحابة الحاضرون عن دفعهم، فحصروه حتى قتلوه رضي الله عنه).<o:p></o:p> قلت: بل عرض الصحابة الدفاع عنه، ولكنه أبى رضي الله عنه؛ خشية أن يسفك دم بسببه إذ قال: [[ عزمت على من كانت لي عليه طاعة ألا يقاتل ]].<o:p></o:p> كل ذلك وفاء منه رضي الله عنه بما عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإصباراً لنفسه على طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.<o:p></o:p> فقد روى الإمام أحمد بإسناده عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { ادعوا لي بعض أصحابي قلت: أبو بكر ؟ قال: لا، قلت: عمر؟ قال: لا، قلت: ابن عمك علي ؟ قال: لا، قلت: عثمان ؟ قال: نعم، فلما جاء قال: تنحي، فجعل يساره ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل قال: لا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ عهداً، وإني صابر نفسي عليه }.<o:p></o:p> وبهذا يتبين أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يتأخروا عن نصرته، لكنه أبى ذلك عليهم، فرضي رضي الله عنه أن يكون عبد الله المقتول لا عبد الله القاتل؛ وفاءً بما عهد إليه النبي صلى الله عليه وسلم.<o:p></o:p> وقد ثبت عن علي رضي الله عنه من غير وجه -فضلاً على ما تقدم- من أنه لا يكنّ لـعثمان رضي الله عنه إلا المحبة والمودة، إذ كان يقول: [[ إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان كما قال الله عز وجل: (( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ))[الحجر:47] ]].<o:p></o:p> وروى الإمام أحمد بسنده عن محمد بن حاطب قال: [[ سألت علياً عن عثمان فقال: هو من الذين آمنوا ثم اتقوا ثم آمنوا ثم اتقوا ]].<o:p></o:p> وفي رواية عند أبي نعيم عن محمد بن حاطب قالوا: [[ ذكروا عثمان بن عفان فقال الحسن بن علي : الآن يجيء أمير المؤمنين، فجاء علي ، فقال: كان عثمان من الذين (( آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ))[المائدة:93] ]].<o:p></o:p> وروى الإمام أحمد بسنده أيضاً عن محمد بن حاطب قال: [[ سمعت علياً يقول يعني: (( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى ))[الأنبياء:101] منهم عثمان ]].<o:p></o:p> فهذه منزلة عثمان رضي الله عنه عند علي رضي الله عنه، وقد سار على ذلك بقية آل البيت رضي الله عنهم.<o:p></o:p> فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما في مدح عثمان وذم من ينتقصه: [[ رحم الله أبا عمرو ، كان والله أكرم الحفدة، وأفضل البررة، سجاداً بالأسحار، كثير الدموع عند ذكر النار، نهاضاً عند كل مكرمة، سباقاً إلى كل منحة، حبيباً أبياً وفياً، صاحب جيش العسرة، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعقب الله على من يلعنه لعنة اللاعنين إلى يوم الدين ]].<o:p></o:p> وروى الخطيب البغدادي بإسناده إلى زيد رحمه الله أنه قال: [[ البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان البراءة من علي ، والبراءة من علي البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ]].<o:p></o:p> وروى ابن عساكر بإسناده إلى السدي قال: [[ أتيته -أي: زيد - وهو في بارق حي من أحياء الكوفة ، فقلت له: أنتم سادتنا وأنتم ولاة أمورنا، فما تقول في أبي بكر وعمر ؟ فقال: تولهما، وكان يقول: البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان البراءة من علي ، والبراءة من علي البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ]].<o:p></o:p> وبهذا يتبين أن موقف زيد بن علي رحمه الله من الخليفة الثالث ذي النورين عثمان بن عفان لم يختلف عن موقفه من أبي بكر وعمر ، وإنما كان موالياً لـعثمان مترضياً عليه، رافضاً للبراءة منه، إذ كان يقرنه بـأبي بكر وعمر وعلي ، ولم يكن متوقفاً فيه كما يرى ذلك بعض المتأخرين.<o:p></o:p> وقد ثبت عن علي بن الحسين البراءة من قول الرافضة في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فقد روى أبو نعيم بسنده عن محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين أنه قال: [[ جلس قوم من أهل العراق فذكروا أبا بكر وعمر فنالوا منهما، ثم ابتدءوا في عثمان ، فقال لهم: أخبروني أأنتم من المهاجرين الأولين (( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ))[الحشر:8] قالوا: لا، قال: فأنتم من الذين: (( تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ ))[الحشر:9] قالوا: لا، فقال لهم: أما أنتم فقد أقررتم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء، وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة، الذين قال الله عز وجل فيهم: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا ))[الحشر:10] فقوموا عني لا بارك الله فيكم، ولا قرب دوركم، أنتم مستهزئون بالإسلام، ولستم من أهله ]].<o:p></o:p> وذكر القرطبي عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده علي بن الحسين رضي الله عنه أنه جاء رجل فقال له: [[ يا ابن بنت رسول الله ما تقول في عثمان ؟ فقال له: يا أخي أنت من قوم قال الله فيهم: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) الآية، قال: لا، قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية فأنتم من قوم قال الله فيه: (( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ ))[الحشر:9] الآية، قال: لا، قال: فوالله لئن لم تكن من أهل الآية الثالثة لتخرجن من الإسلام وهي قوله تعالى: (( وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ ))[الحشر:10] ]].<o:p></o:p> وأنا أقول كما قال علي بن الحسين رحمه الله أن من كان هذا حاله فهو مستهزئ بالإسلام وليس من أهله، والرافضة إنما اتخذوا آل البيت ستاراً لترويج أفكارهم وبث معتقداتهم، فمخالفتهم لآل البيت واضحة صريحة، فعليهم من الله ما يستحقون.<o:p></o:p> والنقول المتقدمة تبين معتقد آل البيت في عثمان رضي الله عنه وهي عقيدة أهل السنة والجماعة.<o:p></o:p> المطلب الثاني: في المحبة المتبادلة بين آل البيت وباقي الصحابة رضي الله عنهم :-<o:p></o:p> إضافة إلى ما تقدم ذكره من المحبة المتبادلة بين آل البيت والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم، أضيف في هذا المطلب جملة مما جاء بين بعض الصحابة وآل البيت، وذلك نموذجاً لما بينهم رضي الله عنهم من محبة وإخاء.<o:p></o:p> ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يعترفون بحق علي وفضله وإمامته رضي الله عنه، وكذلك بقية آل البيت.<o:p></o:p> فقد روى ابن أبي شيبة بإسناده إلى عطية بن سعد قال: [[ دخلنا على جابر بن عبد الله وهو شيخ كبير وقد سقط حاجباه على عينيه فقلت: أخبرنا عن علي بن أبي طالب قال: فرفع حاجبيه بيديه ثم قال: ذاك من خير البشر ]].<o:p></o:p> وقد أثنت عليه أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وأنه قد سلك طريق الحق الحائد عن الضلال.<o:p></o:p> فقد روى الحاكم بإسناده إلى جري بن كليب العامري قال: [[ لما سار علي إلى صفين كرهت القتال، فأتيت المدينة ، فدخلت على ميمونة بنت الحارث ، فقالت: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة ، قالت: من أيهم؟ قلت: من بني عامر، قالت: رحباً على رحب وقرباً على قرب تجيء، ما جاء بك؟ قال: قلت: سار علي إلى صفين وكرهت القتال، فجئنا إلى هاهنا، قالت: أكنت بايعته؟ قال: قلت: نعم، قالت: فارجع إليه، فكن معه، فوالله ما ضل ولا ضل به ]].<o:p></o:p> وقد أنكر ابن عمر على من يذكر علياً رضي الله عنه بسوء، فقد روى ابن أبي شيبة [[ بسنده أن ابن عمر كان جالساً، فجاءه نافع بن الأزرق فقام على رأسه فقال: والله إني لأبغض علياً ، قال: فرفع إليه ابن عمر رأسه فقال: أبغضك الله، تبغض رجلاً لسابقة من سوابقه خير من الدنيا وما فيها ]].<o:p></o:p> وقد مدحه ابن عمر بأوصاف حميدة تدل على مكانته وفضله ومنزلته عنده رضي الله عن الجميع.<o:p></o:p> فقد روى البخاري بإسناده إلى سعد بن عبيدة قال: [[ جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن عثمان فذكر عن محاسن عمله، قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: نعم، قال: فأرغم الله بأنفك، ثم سأله عن علي فذكر عمله، قال: هو ذاك بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: لعل ذاك يسوؤك، قال: أجل، قال: فأرغم الله بأنفك، قال: انطلق فاجهد على جهدك ]].<o:p></o:p> قال ابن حجر في قوله: (فأرغم الله بأنفك): أي أوقع الله بك السوء، واشتقاقه من السقوط على الأرض فيلصق الوجه بالرغام وهو التراب، وقوله: (فاجهد على جهدك): أي أبلغ على غايتك في حقي، فإن الذي قلته لك الحق، وقائل الحق لا يبالي بما قيل في حقه من الباطل.<o:p></o:p> وقد شهد له معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بالعلم والفضل، وأقر له بالسبق والخيرية.<o:p></o:p> قال ابن كثير : قال ابن جرير عن مغيرة قال: لما جاء نعي علي بن أبي طالب إلى معاوية وهو نائم مع امرأته فاختة بنت قرظة في يوم صائف، جلس، وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وجعل يبكي، فقالت: فاختة : أنت بالأمس تطعن عليه واليوم تبكي عليه، فقال: ويحكِ، إنما أبكي لما فقد الناس من حلمه وعلمه وفضله وسوابقه وخيره.<o:p></o:p> وقال ابن عبد البر : (وكان معاوية يكتب فيما ينزل به ليسأل له علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن ذلك، فلما بلغه قتله قال: [[ ذهب الفقه والعلم بموت ابن أبي طالب ، فقال له أخوه عتبة : لا يسمع هذا منك أهل الشام فقال: دعني عنك ]].<o:p></o:p> فلم يمنع معاوية رضي الله عنه ما بينه وبين علي من الحروب أن يثني عليه، ويعترف له بالفضل وسابقة الخير، وهذا هو حال الصحابة جميعاً، فلم يكن للغل محلاً في قلوبهم، بل قد نزع الله من قلوبهم ذلك، فكانوا إخواناً متحابين، فرضي الله عنهم أجمعين، وأرغم الله أنوف الحاقدين من روافض أو نواصب.<o:p></o:p> وقد نهج الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين هذا المنهج تجاه بقية آل البيت.<o:p></o:p> فقد روى الحاكم بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه [[ أنه لقي الحسن بن علي فقال: رأيت رسول الله قبل بطنك، فاكشف الموضع الذي قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله، قال: وكشف الحسن فقبله ]].<o:p></o:p> وفي ذلك دليل على محبته للحسن رضي الله عنهم وإظهاره لفضيلته.<o:p></o:p> وروى أيضاً بإسناده إلى أبي سعيد المقبري قال: [[ كنا مع أبي هريرة رضي الله عنه فجاء الحسن بن علي بن أبي طالب فسلم علينا فرددنا عليه السلام ولم يعلم به أبو هريرة ، فقلنا له: يا أبا هريرة هذا الحسن بن علي قد سلم علينا، فلحقه وقال: وعليك السلام يا سيدي، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيد ]].<o:p></o:p> وروى الإمام أحمد بإسناده إلى معاوية رضي الله عنه قال: { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمص لسانه أو قال: شفتيه -يعني: الحسن بن علي – وأنه لن يعذب لسان أو شفتان يمصهما رسول الله صلى الله عليه وسلم }.<o:p></o:p> وقال ابن كثير : كان الزبير يقول: [[ والله ما قامت النساء على مثل الحسن بن علي ]].<o:p></o:p> وجاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: [[ من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن علي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله ]].<o:p></o:p> فهذه شهادة منه للحسين بن علي رضي الله عنه، وأنه من أهل الجنة، وبيان لمنزلته وفضله.<o:p></o:p> وقد أوصى معاوية رضي الله عنه ابنه يزيد بالرفق بـالحسين ، وصلة رحمه، وأنه من أحب الناس، فقد ذكر الذهبي أنه لما حضر معاوية ، دعا يزيد ، فأوصاه وقال: [[ انظر حسيناً فإنه أحب الناس إلى الناس، فصل رحمه، وارفق به، فإن يك منه شيء، فسيكفيك الله بمن قتل أباه، وخذل أخاه ]]. <o:p></o:p> وقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما ما فعل أهل العراق بـالحسين بن علي رضي الله عنهما، فقد روى البخاري بإسناده إلى ابن عمر وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب، فقال رضي الله عنه: [[ أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: هما ريحانتاي من الدنيا ]]. <o:p></o:p> قال ابن حجر : أورد ابن عمر هذا متعجباً من حرص أهل العراق على السؤال عن الشيء اليسير، وتفريطهم في الشيء الجليل.<o:p></o:p> وروى الذهبي بإسناده عن العيزار بن حريث قال: [[ بينما عمرو بن العاص في ظل الكعبة، إذ رأى الحسن فقال: هذا أحب أهل الأرض إلى السماء اليوم ]].<o:p></o:p> وقد وصفت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فاطمة بصفات حميدة، تبين قدرها ومنزلتها، حيث أنها تشبه النبي صلى الله عليه وسلم هيئة وطريقة وسمتاً وخلقاً.<o:p></o:p> فقد روى الترمذي بإسناده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: [[ ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامها وقعودها من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم... الحديث ]].<o:p></o:p> كما وصفتها رضي الله عنها بالصدق، ومن كان هذا حاله أوصل إلى طريق الجنة ونعيمها، فقد روى الحاكم بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها [[ أنها كانت إذا ذكرت فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها، إلا أن يكون الذي ولدها ]].<o:p></o:p> ومما جاء في حق حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، ما رواه ابن سعد بإسناده إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: [[ ما رأيت أحداً أحضر فهماً ولا ألب لباً ولا أكثر علماً ولا أوسع حلماً من ابن عباس، ولقد رأيت عمر يدعوه للمعضلات ثم يقول: عندك قد جاءتك معضلة، ثم لا يجاوز قوله، وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار ]].<o:p></o:p> وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: [[ ابن عباس أعلم الناس بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم ]].<o:p></o:p> وقال طلحة بن عبيد الله : [[ لقد أعطي ابن عباس فهماً ولقناً وعلماً، ما كنت أرى عمر بن الخطاب يقدم عليه أحداً ]].<o:p></o:p> وجاء عن الشعبي أنه قال: [[ ركب زيد بن ثابت فأخذ ابن عباس بركابه فقال: لا تفعل يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال زيد : إني يداك، فأخرج يديه فقبلهما فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا ]].<o:p></o:p> وروى ابن سعد بسنده عن عكرمة قال [[ لما مات عبد الله بن عباس : سمعت معاوية يقول: مات والله أفقه من مات ومن عاش ]].<o:p></o:p> وجاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما لما بلغه موت ابن عباس رضي الله عنهما قوله: [[ مات اليوم أعلم الناس، وأحلم الناس، ولقد أصيبت به هذه الأمة مصيبة لا ترتق ]]....<o:p></o:p> وقد وصف عروة بن الزبير رحمه الله أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه بأنه من أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك دليل على منزلته عنده رضي الله عنهم.<o:p></o:p> فقد روى الحاكم بإسناده إلى عروة بن الزبير أنه قال: [[ أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رضي الله عنه كان من أحب قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان شديداً عليه، فلما أسلم كان أحب الناس إليه ]].<o:p></o:p> وقد أنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه قتل الزبير بن العوام ، ورفض دخول قاتله عليه، وقال: [[ بشروا قاتله بالنار ]].<o:p></o:p> فقد روى الإمام أحمد بسنده عن علي رضي عنه أنه قال عندما قيل له: إن قاتل الزبير على الباب قال: [[ ليدخلن قاتل ابن صفية النار ]]، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: { لكل نبي حواري، وإن حواريي الزبير بن العوام }. وفي رواية أنه [[ أتى ابن عباس إلى علي فقال: إلى أين يدخل قاتل ابن صفية ؟ قال علي : إلى النار ]].<o:p></o:p> وروى ابن سعد بإسناده إلى جعفر بن محمد عن أبيه قال: قال علي : [[ إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من الذين قال الله في حقهم: (( وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ))[الحجر:47] ]] <o:p></o:p> فهذه منزلة طلحة والزبير عند علي رضي الله عنهم، رغم ما حصل بينهم، إذ الحقد لا طريق له إلى قلوبهم، وهذا هو حال الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.<o:p></o:p> بل كان علي رضي الله عنه يعاقب بالجلد والضرب على الكلام الذي فيه نيل من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقد ذكر ابن الأثير أن رجلين وقفا على باب الدار الذي نزلت فيه أم المؤمنين بـالبصرة ، فقال أحدهما: جزيت عنا أمنا عقوقاً، وقال الآخر: يا أمي توبي فقد أخطأت، فبلغ ذلك علياً فبعث القعقاع بن عمرو إلى الباب، فأقبل بمن كان عليه، فأحالوا على رجلين من أزد الكوفة وهما: عجلان وسعد ابنا عبد الله، فضربهما مائة سوط وأخرجهما من ثيابهما.<o:p></o:p> وروى مسلم في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن شداد قال: { سمعت علياً يقول: ما جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه لأحد غير سعد بن مالك ، فإنه جعل يقول له يوم أحد : ارم فداك أبي وأمي }.<o:p></o:p> فقد أثبت علي رضي الله عنه لـسعد هذه الفضيلة، والمنزلة الجليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دليل على منزلته عنده رضي الله عنهم أجمعين. <o:p></o:p> وقد أثنى رضي الله عنه على عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، ووصفه بأنه أدرك من هذه الدنيا صفاءها ونقاءها، وسبق كدرها وزيفها، وفي هذا دليل على فضله ومدى منزلته عنده رضي الله عنهما.<o:p></o:p> فقد روى الحاكم بإسناده إلى إبراهيم بن سعد قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: [[ سمعت علياً رضي الله عنه يقول لـعبد الرحمن بن عوف يوم مات: اذهب يا ابن عوف فقد أدركت صفوها وسبقت رنقها ]]. <o:p></o:p> وعند ابن كثير [[ وسبقت زيفها ]].<o:p></o:p> فهذه نماذج من سيرة الصحابة وآل البيت مع بعضهم البعض: محبة ومودة واحترام وتقدير ومعرفة للفضل وأهله، فأرغم الله أنوف الحاقدين والمبغضين الذين يزعمون وجود البغض والفرقة بين خيار الأمة. <o:p></o:p> المطلب الثالث: في المحبة المتبادلة بين آل البيت والتابعين ومن بعدهم :-<o:p></o:p> لقد سار على نهج الصحابة رضوان الله عليهم التابعون لهم بإحسان تجاه أهل البيت، وكانت العلاقة بينهم على ما كان عليه سلفهم الصالح، وسأورد في هذا المطلب نماذج من أقوال التابعين ومن جاء بعدهم في آل البيت، ولاسيما في الذين تزعم الرافضة إمامتهم، والذين تقدم ثناؤهم على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولاسيما أبو بكر وعمر رضي الله عن الجميع؛ لإبطال ما تزعمه الرافضة.<o:p></o:p> فمما يبين تلك العلاقة والمودة: ما جاء عن علي بن الحسين والذي يعد من كبار التابعين وساداتهم علماً وديناً.<o:p></o:p> أنه أخذ عن المسور بن مخرمة ، وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وعائشة ، وأم سلمة ، وصفية أمهات المؤمنين، ومروان بن الحكم وسعيد بن المسيب ، وذكوان مولى عائشة رضي الله عنها وغيرهم.<o:p></o:p> وروى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والزهري وأبو الزناد وزيد بن أسلم وابنه جعفر.<o:p></o:p> وقد اعترفوا له بالفضل وعلو المنزلة.<o:p></o:p> فقال عنه يحيى بن سعيد : (هو أفضل هاشمي رأيته في المدينة ).<o:p></o:p> وقال محمد بن سعد : (كان ثقة مأموناً كثير الحديث عالياً رفيعاً ورعاً).<o:p></o:p> وروى أبو نعيم أن رجلاً قال لـسعيد بن المسيب : (ما رأيت أحداً أورع من فلان، قال: هل رأيت علي بن الحسين ؟ قال: لا. قال: ما رأيت أحداً أورع منه).<o:p></o:p> وجاء عن الزهري أنه قال: (لم أر هاشمياً أفضل من علي بن الحسين ).<o:p></o:p> ومما يدل على فضله، تقديره لأهل العلم والفضل، إذ أنه كان يتخطى مجالس أكابر الناس ويجالس زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ لما يجد لديه من علم، فيقال له: [[ تدع مجالس قومك وتجالس هذا؟ فيقول: إنما يجلس الرجل حيث يجد صلاح قلبه ]].<o:p></o:p> وروى أبو نعيم بإسناده إلى نافع بن جبير أنه كان يقول لـعلي بن الحسين : [[ غفر الله لك، أنت سيد الناس وأفضلهم، تذهب إلى هذا العبد فتجلس معه -يعني: زيد بن أسلم -؟! فقال: إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيث ما كان ]].<o:p></o:p> وفي رواية: [[ إنما يجلس الرجل إلى من ينفعه في دينه ]].<o:p></o:p> وفي هذا دليل على فضله وعلو منزلته رضي الله عنه، ومعرفته لأهل الفضل والتقوى، إذ أساس التفاضل ومبناه على التقوى، لا على الحسب والنسب كما تقدم بيانه.<o:p></o:p> وجاء عن زيد بن أسلم أنه قال: [[ ما رأيت فيهم مثل علي بن الحسين ]]. وعن مالك قال: [[ لم يكن في أهل البيت مثله ]].<o:p></o:p> وكان رحمه الله يعترف بإمامة مروان بن الحكم وطاعته، فقد روى ابن سعد بإسناده إلى الزهري أنه كان إذا ذكر عنده علي بن الحسين قال: (كان أقصد أهل البيت وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن الحكم ، وعبدالملك بن مروان)....<o:p></o:p> وروى ابن سعد بسنده عن أبي جعفر أنه قال: (إنا لنصلي خلفهم -يعني الأموية- من غير تقية، وأشهد على أبي أنه كان يصلي خلفهم من غير تقية).<o:p></o:p> وفي هذا رد على الرافضة الزاعمة أن أفعال آل البيت التي كانت مع بني أمية تقية، إذ بين رحمة الله عليه بأنهم أئمتهم في الدين وولاة أمورهم في الدنيا.<o:p></o:p> قال الذهبي : وكان علي بن الحسين مع والده يوم كائنة كربلاء وله ثلاث وعشرون سنة، وكان يومئذ موعوكاً فلم يقاتل، ولا تعرضوا له، بل أحضروه مع آله إلى دمشق ، فأكرمه يزيد ورده مع آله إلى المدينة.<o:p></o:p> وروى ابن سعد بإسناده إلى جويرية بن أسماء قال: [[ سمعت فاطمة بنت علي بن أبي طالب ذكر عمر بن عبد العزيز فأكثرت الترحم عليه، وقالت: دخلت عليه وهو أمير المدينة يومئذ، فأخرج عني كل خصي وحرسي حتى لم يبق في البيت أحد غيري وغيره، ثم قال: يا ابنة علي والله ما على ظهر الأرض أهل بيت أحب إليّ منكم، ولأنتم أحب إليّ من أهل بيتي ]]. قلت: فقد كرر رحمه الله مقالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لـفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.<o:p></o:p> وفي هذا دليل على منزلة أهل البيت لدى سلف هذه الأمة، وهو تأصيل لمنهج أهل السنة والجماعة تجاه آل البيت رضي الله عن الجميع.<o:p></o:p> وكان يقول زين العابدين عن سعيد بن جبير : [[ ذاك رجل كان يمر بنا فنسأله عن الفرائض وأشياء مما ينفعنا الله بها، إنه ليس عندنا ما يرمينا به هؤلاء، وأشار بيده إلى أهل العراق ]].<o:p></o:p> وفي ذلك ثناء ومدح لـسعيد بن جبير رحمه الله واعتراف منه بفضله، وذم لأهل العراق الذين وصفوا آل البيت بما هم منه براء.<o:p></o:p> فهذا هو علي بن الحسين ، وهذه منزلته عند التابعين ممن عاصروه، حيث كان يعترف بإمامتهم وخلافتهم، ويؤدي الصلاة خلفهم، ويعترفون له بالفضل والشرف وعلو المنزلة.<o:p></o:p> وقد سار على نهجه ابنه أبو جعفر محمد بن علي ، وكان من خيار أهل العلم والدين، وقد روى عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة وأخذ عنه عطاء بن أبي رباح والأعرج مع تقدمهما، وعمر بن دينار وأبو إسحاق السبيعي ، والزهري ، ويحيى بن أبي كثير وآخرون.<o:p></o:p> ولقد شهد له بالفقه والعلم، فقد عده النسائي وغيره من فقهاء التابعين بـالمدينة.<o:p></o:p> وقد اتفق الحفاظ على الاحتجاج به كما نص على ذلك الذهبي.<o:p></o:p> وقال ابن سعد : كان كثير العلم والحديث.<o:p></o:p> وقال الصفدي : هو أحد من جمع العلم والفقه والديانة. <o:p></o:p> أما ابنه جعفر بن محمد فكانوا يعدونه من خيار أهل العلم والدين، وقد أخذ عن أبيه وعن عطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، ونافع مولى ابن عمر ، وعبد الرحمن بن القاسم وغيرهم.<o:p></o:p> وروى عنه عدة من التابعين منهم يحيى بن سعيد الأنصاري ، وأيوب السختياني ومالك بن أنس ، وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، ويحيى بن سعيد القطان وآخرون.<o:p></o:p> قال عنه الإمام أبو حنيفة : ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد.<o:p></o:p> وقال أبو حاتم : ثقة لا يسأل عن مثله.<o:p></o:p> وقال الذهبي : جعفر بن محمد الصادق سيد العلويين في زمانه، وأحد أئمة الحجاز ، لم يلحق بالصحابة.<o:p></o:p> وكذا ابنه موسى بن جعفر قال فيه أبو حاتم الرازي : (ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين).<o:p></o:p> وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (وموسى بن جعفر مشهود له بالعبادة والنسك ، وقال الذهبي : كان موسى من أجواد الحكماء ومن العباد الأتقياء).<o:p></o:p> وأما ابنه علي الرضا ، فقد قال عنه الذهبي : (كان من العلم والدين والسؤدد بمكان).<o:p></o:p> وكذا ابنه محمد بن علي الجواد والذي كان يعد من أعيان بني هاشم، وهو معروف بالسخاء والسؤدد.<o:p></o:p> فمما تقدم من هذه النماذج، يتضح سيرة الصحابة والتابعين وآل البيت مع بعضهم البعض، والتي بنوها على المحبة والمودة والاحترام، ومعرفة كل منهم لفضل الآخر ومنزلته، رغم أنوف الحاقدين والمبغضين من روافض ونواصب ، فضلاً على ما حصل بينهم من مصاهرة ورحم وتسمية أولادهم بأسماء بعضهم البعض تيمناً، بذلك فقد سمى علي أبناءه بعد الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية بأسماء أصدقائه وأحبائه في الله أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عن الجميع.<o:p></o:p> وسمى عبد الله بن جعفر ذي الجناحين بن أبي طالب أحد بنيه باسم أبي بكر ، وسمى ابناً آخر له باسم معاوية ، ومعاوية هذا سمى أحد بنيه باسم يزيد.<o:p></o:p> والحسن رضي الله عنه سمى أحد بنيه أبا بكر والآخر عمر والثالث طلحة كما سمى الحسين بن علي رضي الله عنهما أحد أبنائه بـأبي بكر.<o:p></o:p> وقد فعل ذلك زين العابدين علي بن الحسين حيث كان يكنى بـأبي بكر ، وكذلك علي بن موسى بن جعفر الإمام الثامن عند الرافضة كان يكنى بـأبي بكر.<o:p></o:p> أما المصاهرة فكما تقدم من أن الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم بينهم وبين آل البيت مصاهرة ورحم، ولقد زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بناته الأربع ثلاثاً من بني أمية: من أبي العاص بن الربيع ، ومن عثمان بن عفان رضي الله عنهم، وهو مع ذلك -أي عثمان - ابن بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي ولدت مع والد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله بن عبد المطلب توأمين، وهي أروى بنت كريز بن حبيب بن عبد شمس وهي أم عثمان وأمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.<o:p></o:p> وكما زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنته أم كلثوم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.<o:p></o:p> وقد تزوج إبان بن عثمان بن عفان من بني هاشم أيضاً، وكانت عنده أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر الطيار شقيق علي رضي الله عنهم.<o:p></o:p> وتزوج زيد بن عمرو بن عثمان سكينة بنت الحسين رضي الله عنهم.<o:p></o:p> وكانت أم القاسم بنت الحسن بن الحسن عند مروان بن أبان بن عثمان بن عفان. وهند بنت أبي سفيان كانت متزوجة من الحارث بن نوفل بن عبد المطلب بن هاشم ، فولدت ابنه عبد الله.<o:p></o:p> وكانت أم كلثوم بنت عبد الله بن العباس تحت يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فأنجبت له عبد الله وعمراً ، وتزوجت لبابة بنت عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الوليد بن عتبة بن أخي معاوية بن أبي سفيان ، كما تزوجت رملة بنت علي بن أبي طالب معاوية بن مروان بن الحكم ، وكانت زينب بنت حسن بن حسن بن علي عند الوليد بن عبد المطلب بن مروان. والأمثلة في هذا الباب كثيرة، وحسبي منها ما ذكرت، إذ فيه الكفاية لمن يبحث عن الحق ويريده، فهل يعقل مع هذه المودة والمحبة والمصاهرة أن يحدث ما تزعمه الرافضة في بغض سلف هذه الأمة لآل البيت، وبغض آل البيت لهم: (( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً ))[الكهف:5].<o:p></o:p> ويحسن أن أختم هذا المبحث ببعض النقول عن أهل السنة ، والتي هي امتداد لسيرة الصحابة والتابعين لهم بإحسان تجاه آل البيت إلى يومنا هذا، والمتمثلة في اعتقادهم أنه لا يتم إيمان الرجل إلا بحب آل البيت، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في ما تقدم بيانه، وأن ذلك أصل من أصولهم.<o:p></o:p> وفي تقرير ذلك يقول الباقلاني : (ويجب أن يعلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفضل الصحابة العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة رضي الله عن الجميع وأرضاهم، ونقر بفضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك نعترف بفضل أزواجه رضي الله عنهن، وأنهن أمهات المؤمنين كما وصفهن الله تعالى ورسوله، ونقول في الجميع خيراً، ونبدع ونضلل ونفسق من طعن فيهن، أو في واحدة منهن، لنصوص الكتاب والسنة في فضلهم ومدحهم والثناء عليهم، فمن ذكر خلاف ذلك، كان فاسقاً مخالفاً للكتاب والسنة ونعوذ بالله من ذلك.<o:p></o:p> ويقول البغدادي : وقالوا -أي أهل السنة - بموالاة جميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكفروا من أكفرهن أو أكفر بعضهن.<o:p></o:p> وقالوا بموالاة الحسن والحسين والمشهورين من أسباط رسول الله صلى الله عليه وسلم، كـالحسن بن الحسن ، وعبد الله بن الحسن ، وعلي بن الحسين زين العابدين ، ومحمد بن علي بن الحسين المعروف بـالباقر.. وجعفر بن محمد المعروف بـالصادق ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى الرضا ، وكذلك قولهم في سائر أولاد علي من صلبه، كـالعباس ، وعمر ، ومحمد بن الحنفية ، وسائر من درج على سنن آبائه الطاهرين، دون من مال إلى الاعتزال أو الرفض.<o:p></o:p> وقال الإسفرائيني في بيان منهج أهل السنة :<o:p></o:p> وقد عصمهم الله أن يقولوا في أسلاف هذه الأمة منكراً، أو يطعنوا فيهم طعناً، فلا يقولون في المهاجرين والأنصار، وأعلام الدين، ولا في أهل بدر ، وأحد وأهل بيعة الرضوان، إلا أحسن المقال، ولا في جميع من شهد النبي صلى الله عليه وسلم لهم بالجنة، ولا في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأولاده وأحفاده مثل: الحسن ، والحسين ، والمشاهير من ذرياتهم مثل عبد الله بن الحسن وعلي بن الحسين ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى الرضا ، ومن جرى منهم على السداد من غير تبديل ولا تغيير، ولا في الخلفاء الراشدين، ولم يستجيزوا أن يطعنوا في واحد منهم، وكذلك في أعلام التابعين، وأتباع التابعين الذين صانهم الله تعالى عن التلوث بالبدع، وإظهار شيء من المنكرات.<o:p></o:p> وقال الطحاوي : ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس، فقد برئ من النفاق.<o:p></o:p> وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان أن منهج أهل السنة المنهج العدل والحق بين الرفض والنصب: (وأما أهل السنة فيتولون جميع المؤمنين، ويتكلمون بعلم وعدل، ليسوا من أهل الجهل ولا من أهل الأهواء، ويتبرءون من طريقة الروافض والنواصب جميعاً، ويتولون السابقين الأولين كلهم، ويعرفون قدر الصحابة وفضلهم ومناقبهم، ويرعون حقوق أهل البيت التي شرعها الله لهم ولا يرضون بما فعله المختار ونحوه من الكذابين، ولا ما فعله الحجاج ونحوه من الظالمين، ويعلمون مع هذا مراتب السابقين الأولين، فيعلمون أن لـأبي بكر وعمر من التقدم والفضائل ما لم يشاركهما فيه أحد من الصحابة، لا عثمان ولا علي ولا غيرهما).<o:p></o:p> ويقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب : (قائمة أهل البيت -أمثال زين العابدين وابنه زيد بن علي وأشباههم رضي الله عنهم- شهد لهم أهل العلم بالصدق والأمانة والديانة.<o:p></o:p> هذه عقيدة أهل السنة والجماعة في آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرتهم تجاههم، فهم أعدل الناس فيهم، وهم وسط بين الرفض والنصب، لا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا إجحاف، وإنما عدل وإنصاف.