هناك بقايا من تراث أهل البيت الصحيحة في مصادر الشيعة لم تعبث بها الأيادي، ولكنها محشورة بين روايات كثيرة محرّفة أو مكذوبة عليهم، كحبّة اللّؤلؤ بين كومة الحصاة قد تجد صعوبة في الوصول إليها، ولكن إذا رأيتها لا تخطئها عينك. فالانحراف بدأ جزئيّاً في النصوص، فتحريف النصوص ثم تعدّاه إلى التطبيق، ثم الخروج حتى على النصوص المحرفة، حتى لم تبق صلة بين القرآن والسنة وبين الآثار المنسوبة إلى أهل البيت، وكل هذا وضع لتخدم أغراضاً شعوبية، ومصالح شخصية، ولو تم تنقية هذه المصادر من الروايات الدخيلة ستعود حتماً عصر الوفاق والوئام بين آثار الصحابة وآثار أهل البيت التي خرجت من مشكاة واحدة، ومصادر السنة مملوءة بآثار أهل البيت، ولم يكن هناك أي صدام أو صراع بين آثار أهل البيت وآثار الصحابة، ولكن تم إيجادها في عصور متأخرة من قبل زمرة من الدخلاء بعيداً عن علم أهل البيت، وكانت هذه الأمور تجري في الخفاء، وإن أهل البيت رضوان الله عليهم تبرءوا عما وصل إلى أسماعهم من هذه الروايات، ولهذا السبب اضطرّ واضِعو هذه الروايات لإيجاد عقيدة التقية، وأولوها أهمية كبيرة وبالغوا فيها كي تعبر هذه الأقاويل على المغفّلين، حتى إذا أصبحت لهم شوكة وذهب عصر الأئمة، أعلنوها وأضافوا إليها الكثير، وتم فصل شريحة كبيرة من جسد الأمة الإسلامية تحت ذريعة الانتصار لأهل البيت.
وهذه نماذج من النصوص الصحيحة التي وردت عن أهل البيت -ع-:
الآذان:
عن الحسين بن علي بن أبي طالب -ع- قال: [[ كنا جلوساً في المسجد إذ صعد المؤذن المنارة فقال: الله أكبر .. الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن لا إله إلا الله .. أشهد أن محمداً رسول الله .. أشهد أن محمداً رسول الله .. حيّ على الصلاة .. حيّ على الصلاة .. حيّ على الفلاح .. حيّ على الفلاح .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله ]].
لم يذكر الراوي (خير العمل) ولا (علياً ولي الله).
وقال الصدوق في موضع آخر بعد أن ذكر الأذان ...: هذا هو الأذان الصحيح لا يُزادُ فيهِ ولا يُنقَصُ منه، والمُفوّضَةُ لعنهم الله قد وضعوا أخباراً زادوا في الأذان: محمد وآل محمد خير البرية مرتين، وفي بعض رواياتهم: أشهد أن علياً ولي الله، ومنهم من قال: أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً.
وهل أذان الشيعة قاطبة إلا على طريقة المفوّضة الذين لعنهم الصدوق، وليس من منكر.
غسل القدمين في الوضوء:
من وصية لأمير المؤمنين علي لمحمد بن أبي بكر في الصلاة والوضوء قال: { انظر يا محمد صَلاتُكَ كيف تصلّيها، فإنما أنت إمام ينبغي لك أن تُتِمَّها وأن تحفظها بالأركان ولا تخففها وأن تصلّيها لوقتها، فأنه ليس من إمام يُصلّي بقوم فيكون في صلاتهم نقص إلا كان إثم ذلك عليه ولا ينقص ذلك من صلاتهم شيئاً, ثم الوضوء: فأنه من تمام الصلاة، اغسل كفّيك ثلاث مرات، وتمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاث مرات، واغسل وجهك ثلاث مرات، ثم يدك اليمنى ثلاث مرات إلى المرفق، ثم يدك الشمال ثلاث مرات إلى المرفق، ثم امسح رأسك، ثم اغسل رجلك اليمنى ثلاث مرات، ثم اغسل رجلك اليسرى ثلاث مرات، فأني رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم هكذا كان يتوضّأ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: الوضوء نصف الإيمان.. }.
إن أمير المؤمنين يغسل قدميه ويقول: إنه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم هكذا يتوضّأ، فكل من يمسح قدميه ولا يغسلها، إما انه يكذّب أمير المؤمنين، أو يخالف سنّته وسنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم.
عن زيد بن علي عن آبائه عن علي-ع-: { جلست أتوضّأ وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدأت في الوضوء. فقال لي: تمضمض واستنشق واستنّ، ثم غسلت وجهي ثلاثاً فقال: قد يجزيك من ذلك المرتان، قال: فغسلت ذراعي ومسحت برأسي مرّتين فقال: قد يجزيك من ذلك المرّة، وغسلت قدمي فقال لي: يا علي! خلل بين الأصابع لا تخلل بالنار }.
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتف من علي بغسل القدم بل أمره بتخليل الأصابع، فماذا يقول لنفسه من يكتفي بمسح القدم، لماذا وعلى حساب من هذا الإصرار على مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة أهل بيته؟!
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله -ع- { .. إن نَسِيت مَسحَ رأسك حتى تغسل رجليك فامسح رأسك ثم اغسل رجليك }.
الصلاة:
عن الصادق -ع- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { لا ينال شفاعتي غداً من أخّر الصلاة المفروضة بعد وقتها }.
وعنه أيضاً: [[ من صلى في غير الوقت فلا صلاة له ]].
عن علي في كتاب له إلى أمرائه في معنى الصلاة: [[ أما بعد! فصلّ بالناس الظهر حتى تفيء الشمس من مربض العنز، وصلّوا بهم العصر والشمس بيضاء حية في عضو من النهار حين يسار فيها فرسخان، وصلوا بهم المغرب حين يفطر الصائم ويدفع الحاج، وصلوا بهم العشاء حين يتوارى الشفق الأحمر، وصلوا بهم الغداة والرجل يعرف وجه صاحبه.. ]].
في هذه الوصية يصف علي خمس أوقات منفصلة للصلوات وليست ثلاثة.
من رسالة لعلي إلى محمد بن أبي بكر: { .. انظر صلاة الظهر فصلّها لوقتها، لا تعجل بها عن الوقت لفراغ، ولا تؤخّرها عن الوقت لشغل، فأن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن وقت الصلاة فقال: صلى الله عليه وسلم أتاني جبرائيل فأراني وقت الصلاة، فصلى الظهر حين زالت الشمس، ثم صلّى العصر وهي بيضاء نقيّة، ثم صلّى المغرب حين غابت الشمس، ثم صلّى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلّى الصبح فأغلس به والنجوم مشتبكة، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم كذا يصلّي، فإن استطعت -ولا قوّة إلاّ بالله- أن تلتزم السنّة المعروفة، وتسلك الطريق الواضح الذي أخذوا فافعل لعلّك تقدم عليهم غداً، ثم انظر رُكوعَكَ وسجودك فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان أتمّ الناس صلاةً وأحفظهم لها، وكان إذا ركع قال: سبحان ربّي العظيم وبحمده ثلاث مرّات، وإذا رفع صلبه قال: سمع الله لمن حمده، اللهمّ لك الحمد ملء سماواتك، وملء أرضك وملء ما شئت من شيء، فإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده ثلاث مرّات واعلم يا محمد أن كلّ شيء من عملك يتبع صلاتك، واعلم أن من ضيّع الصلاة فهو لغيرها أضيع .. }.
إن علياً يشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلّي الصلوات في خمس أوقات، وهذه الأوقات جاء بها جبريل -ع-، كما أمره باتباع السنّة المعروفة، والسنّة في ذلك الوقت هي المنقولة عن الصحابة وأهل البيت جميعاً، كما أمره بأن يسلك الطريق الواضح الذي أخذوا (ولم يقل: أخذنا كما يزعم الصفويّون) ويعني بهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن أبي عبد الله -ع-: { أتى جبرائيل -ع- رسول الله صلى الله عليه وسلم بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلّى الظهر، ثم أتاه حين زاد الظل قامة، فأمره فصلى العصر، ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب، ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء، ثم أتاه حين طلع الفجر فأمره فصلى الصبح }.
فهل يجوز أن يختزل هذه الصلوات الخمسة إلى ثلاث، وما المصلحة منها سوى تفريق المسلمين، وزيادة الهوّة بينهم.
عن الرضا-ع-: [[ إن أول وقت الظهر زوال الشمس، وآخر وقتها قامة من الزوال، وأول وقت العصر قامة وآخر وقت العصر قامتان ]].
عن أبى عبد الله –ع-: [[ إذا غابت الشمس فقد حلّ الإفطار ووجبت الصلاة ]].
عن أبي الحسن العرندس قال: [[ رأيت أبا الحسن موسى -ع- في المسجد الحرام في شهر رمضان وقد أتاه غلام أسود ومعه قلّة وقدح فحين قال المؤذن: -الله أكبر- صبّ له وناوله فشرب ]].
هل هناك من الشيعة من يطبق سنة الأئمة؟ لماذا؟ ومن السبب؟
عن الصادق -ع-: [[ ملعون ملعون من أخّر المغرب طلباً لفضلها. وقيل له: إن أهل العراق يؤخّرون المغرب حتى تَشتَبِكَ النجوم فقال: هذا من عمل عدو الله أبي الخطّاب ]].
وفي رواية أخرى قال: [[ إني أبرأ إلى الله ممن فعل ذلك متعمداً ]].
ماذا لو رأيت يا أبا عبد الله أن كل من ينتسب إليك تركوا أقوالك وعملوا بعمل عدو الله أبا الخطاب؟!
أقول: أما يخشى الله أصحاب العمائم الذين يُخفون هذه النصوص عن عوامِّهم، ليزيدوا الهوة والخلاف بين المسلمين، حفاظاً على مصالحهم في الزعامة والخمس، فعلى عوام الشيعة عدم الانقياد الأعمى وراء المرجعيات، لأن هؤلاء لن يحملوا من أوزارهم شيئاً، إن الأتباع والمتبوعين الخارجين عن الحق سيتخاصمون في النار ويتلاومون ولن يغني أحدهم عن الآخر شيئاً. وكما قال الصادق: [[ من صلّى في غير الوقت لا تقبل صلاته، ولا ينال شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ]].