موقع البرهان - السجن في كرمانشاه(33/30)

بعد استشهاد أخي «أرسطو» أصبحت مدينة صباي وأحلامي «طهران» الكبيرة بالنسبة لي جحرًا صغيرًا لا يسعني، فلم يكن فيها من تعجبه رؤيتي، حتى أسرتي ووالدي.<o:p></o:p> وبعد فترة وجيزة ذهبت إلى «كرمانشاه» لأذهب من هناك إلى «كردستان»..<o:p></o:p> ماذا حدث لي في «كرمانشاه»؟ وكيف قضَّيت أيامي هناك؟<o:p></o:p> حكاية طويلة لا داعي لذكرها هنا، فيكفي أن أُشير إلى أنني قضَّيتُ فيها أيامًا شديدة، كان كل يوم منها كألف سنة، هكذا قضيت عدة أشهر هناك.<o:p></o:p> وكان من سوء الأمر أني كنت في بيت رجل كانت بينه وبين زوجته مشاكل، وفي إحدى الأيام اشتد الخلاف بينهما فخرجت الزوجة من البيت، واتصلت بالمخابرات وأخبرتهم بأن زوجها آوى رجلًا هاربًا من القانون، ومن معارضي الحكومة، وأنه الآن في البيت..<o:p></o:p> لم نعرف الحكاية إلا بعد أن نزل جنود المخابرات كالصاعقة علينا، وبدأت حكاية جديدة من المآسي، تعذيب لا يطاق، وعذاب لا يحتمل في سجون شيطانية لا توصف..<o:p></o:p> قضيت أيامًا عصيبة بين مخالب المخابرات في سجن «ديزل آباد» في مدينة «كرمانشاه» ثم نقلوني بالطائرة إلى طهران.. إلى مكاني الأول «المخابرات الدولي» وإلى نفس مكان التعذيب، دار الشياطين وقلعة العذاب الملعونة.<o:p></o:p> كانت وجبات التعذيب هذه المرة أشد من سابقتها، لا أستطيع وصفها، كلما تأتي تلك الصور الموحشة إلى خاطري يقف شعر رأسي خوفًا لمجرد ذكراها..<o:p></o:p> قضيت قرابة ثلاثة أشهر تحت نيران عقابهم وعذابهم، ليس لي ذنب إلا قولي: «ربي الله، لا أعبد إلا إياه، مخلصًا له ديني».<o:p></o:p> وبعد ذلك نقلت إلى المحكمة الخاصة بالعلماء التي أصدرت قرارها بأن أنقل إلى سجن «أوين» في طهران وبعد فترة نقلوني إلى سجن «القصر» في طهران فخطبت فيه بين المساجين، فنقلوني منه إلى السجن الرئيسي في «أراك» ثم أرجعوني أخيرًا إلى سجن «أوين» في طهران.<o:p></o:p> لم تمر عليَّ أيام في «أوين» وإذا بذلك الدكتور الملعون - الدكتور حكاكيان - يأتي لزيارتي إلى السجن، حاول أن يربط قضيتي بأسرتي من جديد ليعذبهم مرة أخرى، وكانت في رأسه خطة خبيثة، فقد كان يحاول أن يجبرني على أن أطلق زوجتي. <o:p></o:p> ظل يكرر في زياراته لي أن زوجتي طلبت من المحكمة الطلاق مني، كان يذهب إلى زوجتي ويقول لها: لم يبق أمل في نجاة زوجك وحياته أبدًا، ولن يخرج هذه المرة من السجن إلا إلى المشنقة، ويحرّضها على رفع القضية إلى المحكمة والمطالبة بالطلاق..<o:p></o:p> بدأ اللعين يجري بيننا إلى أن استطاع أن يُهيئ جوًا متوترًا بيننا، ودون علم مسبق مني ودون إكمال الإجراءات القانونية للطلاق أصدرت المحكمة حكم الطلاق والفصل بيني وبين زوجتي..<o:p></o:p> تعرفت في السجن على مجموعة من المثقفين والمتنورين والمفكرين الكبار مما جعلني أشعر بشيء من الراحة.<o:p></o:p> وكانوا قد عينوا لي محاميًا ليدافع عني، لا أدري كيف كان وكيف دارت الأمور وراء (الكواليس)، وكيف طرح المحامي قضيتي، أُخذت عدة مرات إلى المحكمة التي وصلت في النهاية إلى قرار الإعدام..<o:p></o:p> أبلغ المحامي حكم الإعدام إلى أسرتي، لكنني حتى ذلك الوقت لم أكن أعرف بأن المحكمة أصدرت قرارها، إلى أن طلبتني المحكمة يومًا، فأخذني مجموعة من حراس السجن إلى مكتب القاضي.<o:p></o:p> دخلنا مكتب القاضي وكان هناك نزاع ومشاجرة شديدة بين واحد من قضاة المحكمة ورجل آخر، فجر النقاش بينهما إلى الصراع والضرب، وكانت أيدي مرافقي من حُرَّاس السجن مربوطة بالقيد الحديدي الذي بيدي، فاضطروا لحفظ النظام أن يفتحوا القيد ليتدخلوا في الأمر..<o:p></o:p> وهكذا وجدت فرصةً مناسبة، فدخلت في الزحام واستطعت أن أهرب من هناك بطريقة لا أجد لها تفسيرًا إلا الرعاية الربانية.<o:p></o:p> كان من قدر الله عز وجل أن أعيش أيامًا أخرى، فيسر لي سبيل النجاة من أيدي هؤلاء الحراس شياطين العذاب.<o:p></o:p> هكذا استطعت بعون من الله عز وجل بعد تسعة أشهر قضيتها في السجن والعذاب أن أهرب من أيديهم..<o:p></o:p> اتصلت بأسرتي بعد فترة، وعرفت بأن المحكمة أصدرت حكم الطلاق دون علمي..<o:p></o:p> ذهبت إلى زوجتي لأخبرها بحقيقة الأمر، لكنها قالت لي: بأنها بدأت حياة جديدة هادئة بعيدة عني وعن مشاكلي، وطلبت مني أن أتركها ولا أعكر عليها الجو..<o:p></o:p> من أجل راحتها ومن أجل سعادة ابني الوحيد عسى أن يعيش في جو من الهناء والمحبة، أنهيت صلتي بزوجتي للأبد، رجاء أن يعيشا في أمان وراحة ورجاء أن يأخذ الله عز وجل بأيديهما إلى الصراط المستقيم.<o:p></o:p> بحمد لله عز وجل منذ عام 1378ش (2000م/1420هـ) إلى كتابة هذه السطور لم أزل على قيد الحياة، وانقطعت صلتي بأسرتي كلها، وأحيانًا أتمكن من الاتصال بوالدتي، أما والدي فلا يرغب في الحديث معي أبدًا..<o:p></o:p> بقيت في هذا العالم الكبير المكتظ بالناس وحيدًا فريدًا ليس لي من البشر أحد يؤنسني في وحدتي، وانقطع رجائي إلا من الله عز وجل، أصبحت مهاجرًا يرعاني ويحفظني ويرزقني من حيث لا أحتسب.<o:p></o:p> <div align="center"><a class="btn btn-primary" style="color:#fff;" href="/Article/index/6577"> التالي: الهجرة إلى باكستان ومؤامرة الاغتيال </a> <a class="btn btn-primary" style="color:#fff;" href="/Article/index/6579"> السابق: استشهاد أخي "أرسطو رادمهر" </a></div>

تصفح الكتاب

بحث