موقع البرهان - بيت الأشباح أو غرف التعذيب(33/25)

بعد هذه الفترة التي قضيناها في التحقيق - قرابة اثني عشر يومًا - نقلونا إلى قسم التعذيب، وكان مكانًا مخيفًا يشبه قلاع الأشباح، وبيوت الشياطين، سلَّمونا إلى أناس آخرين، كانت عيوننا مربوطة.<o:p></o:p> تركنا من كان يرافقنا وبدؤوا يذهبون، فإذا بمن استقبلنا يخاطبهم بصوت ضخم يشبه صوت زبانية النار أو شياطين العقاب: هل هؤلاء هم أصحاب عمر وأعداء علي؟!<o:p></o:p> ذهب هؤلاء الجنود وبقينا في هذا المكان الموحش بين أيدي أناس آخرين، سمعنا نفس الصوت المخيف يخاطبنا بغرور وخبث: هل تعرفون إلى أين جئتم؟ <o:p></o:p> سكت قليلًا ثم أصدر ضحكة شيطانية وقال: هنا مصنع الرجال، يحضرون لنا الحمير والبغال لنصنع منها بشرًا سويًا..<o:p></o:p> كان صوت هذا الرجل الذي كانوا ينادونه بـ«الحاج» وطريقته في الكلام مخيفًا جدًا، شعرنا بشيء من الخوف يدب في قلوبنا.<o:p></o:p> وضعوا كل واحد منَّا في زنزانة انفرادية لوحده، ويبدو أن الزنازين كانت بعيدة عن بعضها، فبعد جهد كنا نستطيع أن نسمع أصوات بعضنا.<o:p></o:p> كانت الزنازين تشبه كهوف الأجنة قد كانت رائحتها نتنة قبيحة جدًا، وكأنها قبور مفتوحة تعفنت فيها أجساد الأموات، وكان الجو فيها رطبًا..<o:p></o:p> بقينا فيها فترة طويلة جدًا، وبعد هذه الفترة العصيبة التي تعذبنا خلالها في هذا المكان المخيف أخذونا إلى الحساب والكتاب كما كانوا يسمونه..<o:p></o:p> في البداية أخذوا السيد محمدي، ولا أدري ماذا فعلوا به، ثم بعد فترة قصيرة جاؤوا إليَّ وجرّوني إلى هناك.<o:p></o:p> صرخوا فيَّ: إنك تزعم أنك لا تعترف وبدؤوا يكيلون لي اللطمات والركلات.<o:p></o:p> كان المضحك في الأمر أنني لم أكن أفهم ماذا يقصدون بـ«الاعتراف»، وبماذا يجب أن أعترف؟<o:p></o:p> لأنني كنت قد قلت لهم كل ما كنت أعرفه، وما كنت أؤمن به دون محاباة ولا خوف..<o:p></o:p> قلنا لهم كل شيء في لقائنا الأول في قسم المخابرات الدولية، فلم يبق عندنا ما نقوله بعد ذلك.<o:p></o:p> فهم في الواقع كما كان يقول السيد محمدي: كانوا يريدوننا أن نعترف بأشياء لا نعرف عنها شيئًا!!<o:p></o:p> كان الاعتراف لغزًا وسرًا مجهولًا بالنسبة لنا، لا ندري ما كنهه، فما كنَّا نعرف ماذا يجب أن نعترف حتى يرضى عنَّا زبانية العقاب، فيرفعوا عن ظهورنا سياطهم، أو يخففوا عنَّا بعضًا من ألوان عقابهم.<o:p></o:p> تركونا يومًا أو يومين في آلامنا ثم أعادونا للاعتراف مرة أخرى.<o:p></o:p> بدأ الضرب والتعذيب مرة أخرى، وركزوا هذه المرة على الفلق - الضرب بالسياط تحت الأقدام - وكان الدم ينزف من وجوهنا وأقدامنا..<o:p></o:p> لم نكن نعرف ماذا يجب أن نعترف به..<o:p></o:p> شعروا مرة أخرى باليأس من الاعتراف، أرجعونا إلى زنزانتنا لتندمل الجروح بعض الشيء..<o:p></o:p> في المرحلة الثالثة أخذونا بعد عدة أيام إلى صالة كبيرة، وكأنها كانت سردابًا تحت الأرض، وكان بها أجهزة خاصة للتعذيب تعمل من تلقاء نفسها، وتقوم تلقائيًا بما يجب عليها من العقاب.<o:p></o:p> ماذا حدث لنا في تلك الصالة اللعينة؟!<o:p></o:p> وماذا صنعوا بنا وكيف عذبونا بصور وحشية يعجز قلمي عن تصويرها، بل أكاد أجن كلما تعود تلك الصور إلى خاطري؟!<o:p></o:p> أسأل الله عز وجل ألا يسوق أي إنسان مهما كان من أمره إلى هذا المكان.<o:p></o:p> انقطعنا في هذا المكان عن الأسباب الدنيوية كلها، وكنَّا نستغفر الله ونبتهل إليه ونتضرع بين يديه...<o:p></o:p> عدنا إلى الزنازين ليأخذونا بعد عدة أيام إلى الرحلة الرابعة من الضيافة.<o:p></o:p> كانت هذه الوجبة أخبث الوجبات السابقة، تعذيب لم يخطر لنا على بال، التعذيب بالقرصات أو اللدغات أو الصدمات الكهربائية على أطراف الرأس والمخ، كنَّا لأول مرة نواجه مثل هذه المواقف العصيبة.<o:p></o:p> كلما كانوا يوصلون الكهرباء إلى رؤوسنا كنَّا نشعر وكأن آذاننا تنفجر ويخرج منها الدم بغزارة.<o:p></o:p> كنَّا نصبر على هذا العقاب الشديد ونحتسبه عند الله، ونحاول أن نقاوم هذه الهمجية لكن سرعان ما يغمى علينا.<o:p></o:p> لا ندري بعد ذلك ماذا يفعلون بنا، إلى أن نعود إلى الحياة، ويعودوا إلى العقاب.. أعادوا إلينا هذا التعذيب عدة مرات، ثم أخذونا إلى وجبة جديدة..<o:p></o:p> ربطوا أرجلنا وعلّقونا على أعمدة حديدية طويلة، فكان يخرج ما في بطوننا من أفواهنا وأنوفنا ويعيدون الحركة بشدة وعنجهية ووحشية لا توصف، إلى أن بدأ الدم يخرج من أفواهنا وعيوننا وآذاننا وأنوفنا.<o:p></o:p> وفي المرحلة الأخيرة من العقاب أخذوا السيد محمدي أولًا، ولا أدري ماذا صنعوا به، ولما جاء دوري وأخذوني إلى المجزرة رأيت الدماء تجري على مكان تعذيب علي رضا محمدي، وتوقعت بأنه استشهد قبلي.<o:p></o:p> بدأت أحسده إذ سبقني إلى الجنة والسعادة الأبدية، وتركني أتحمل هذا العقاب وحدي.<o:p></o:p> كانت قطرات الدم الطازج على المنصة والمكتب الذي أجلسوني عليه، شعرت بأنني اقتربت من نهاية المطاف، واعتناق الموت..<o:p></o:p> كنت أشعر بشيء من السعادة من جانب وبشيء من الحسرة من جانب آخر، فلم أكن قدمت لديني ما أعتز به عند ربي!!<o:p></o:p> لا أدري ماذا حدث هناك، لكن ما إن فتحت عيني وجدت نفسي في زنزانتي وجسمي كله يؤلمني ألمًا شديدًا، ولا أستطيع الحراك، كنت أشعر بالضعف الشديد، كنت كالميت الجامد الذي لا يقدر على الحركة، ليس فيه من الحياة إلا الروح.<o:p></o:p> بعد هذا التعذيب الذي يبدو أنها المرحلة الأخيرة، تركونا لمدة ثلاثة أيام لا يعذبوننا.<o:p></o:p> وبعد ذلك عرفنا أنهم كانوا يعدوننا للذهاب إلى المحكمة، فتركونا لتندمل الجروح شيئا ما، ولنتقوى على الوقوف على أرجلنا.<o:p></o:p> بعد ثلاثة أيام أو أربعة أيام بعد أن استطعنا أن نقف على أرجلنا، أخذونا إلى المحكمة الخاصة بالعلماء.<o:p></o:p> وأول ما دخلنا المحكمة رأيت بأن والديَّ قد حضرا، كنت أحاول ألا يراني أبي، وكنت أختفي خلف الجنود الذين أحضرونا إلى هذا المكان، لكن أبي شعر بي، ولم أتبادل التحيات مع أحد من أقاربي أو أصدقائي حتى والدي، لا أدري إن كنت لا أرغب في ذلك، أو أنني لم أكن أستطيع أن أفعل ذلك، أو أنه لم يكن مسموحا أن أسلم على أحد منهم حتى لا أكشف للناس عما فعلوه بنا.<o:p></o:p> كنّا صامتين لا ننطق بشيء.<o:p></o:p> وبعدما حضر السيد «سليمي» رئيس المحكمة، قرئت موارد الاتهام وكان كالآتي:<o:p></o:p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 6pt 0cm 0pt; DIRECTION: rtl; TEXT-INDENT: 19.85pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: list 36.0pt; mso-list: l0 level1 lfo1">1. الارتداد عن الدين الحنيف.<o:p></o:p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 6pt 0cm 0pt; DIRECTION: rtl; TEXT-INDENT: 19.85pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: list 36.0pt; mso-list: l0 level1 lfo1">2. إعلان الحرب على الله عز وجل.<o:p></o:p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 6pt 0cm 0pt; DIRECTION: rtl; TEXT-INDENT: 19.85pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: list 36.0pt; mso-list: l0 level1 lfo1">3. الإفساد في الأرض.<o:p></o:p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; MARGIN: 6pt 0cm 0pt; DIRECTION: rtl; TEXT-INDENT: 19.85pt; unicode-bidi: embed; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%; mso-pagination: none; tab-stops: list 36.0pt; mso-list: l0 level1 lfo1">4. التجسس لأمريكا وإسرائيل.<o:p></o:p> لا أدري كيف دافعنا عن أنفسنا، ولا أذكر ما قلناه هناك، كل ما أذكره أننا تركنا أمرنا لله وتوكلنا عليه <span lang="AR-JO" style="FONT-SIZE: 15pt; COLOR: black; FONT-FAMILY: 'Traditional Arabic'; mso-ascii-font-family: 'CTraditional Arabic'; mso-hansi-font-family: 'CTraditional Arabic'; mso-bidi-language: AR-JO">سبحانه وتعالى، وقطعنا رجاءنا عن جميع المخلوقات، ولم يكن في قلوبنا إلا الله.<o:p></o:p> أصدر القاضي «سليمي» رئيس المحكمة حكمه بأن ننقل إلى سجن «أوين» إلى أن تنظر المحكمة في الاتهامات من جديد..<o:p></o:p> ومع أن المحكمة أصدرت حكمها بنقلنا إلى سجن «أوين» إلا أن أصحابنا كأنهم لم يشبعوا منا فأخذنا الجنود إلى نفس المكان ونفس الزنازين وإلى مرحلة جديدة من التعذيب..<o:p></o:p> استضافونا هذه المرة كذلك بألوان جديدة من التعذيب وبوجبة أخرى من الصدمات الكهربائية في المخ وأطراف الرأس، ثم لما شبعوا منَّا نقلونا إلى سجن «أوين».<o:p></o:p> <div align="center"><a class="btn btn-primary" style="color:#fff;" href="/Article/index/6582"> التالي: سجن أوين </a> <a class="btn btn-primary" style="color:#fff;" href="/Article/index/6584"> السابق: السجن مرة أخرى </a></div>

تصفح الكتاب

بحث