إذا أردنا الإجابة عن هذا السؤال فلابد من التعرف على المسائل المتعلقة بالمسجد من الداخل؟ وموقع المسجد السياسي والاجتماعي؟ ثم نعرف ماذا يعني هدم المسجد؟ وما مدى الضربة الموجعة التي تحملها أهل السُّنَّة جراء هدمه؟ ولماذا لم تتحمل حكومة الشيطان وجوده ولو إلى رمضان المقبل؟
هذا المسجد كان صرخة المظلومين من أفغانستان أيام الجهاد ضد الروس، فقد كان مأوىً للفقراء والمعوزين، وكان دار ضيافة لمئات الناس من المسلمين في رمضان، وموائده مفروشة في كل إفطار، فلماذا هدم من قبل خفافيش الليل ولم يصغي إلى نداءاته أحد؟
الإجابة: هي أن سياسة النظام الإيراني تتمثل عبارة فرّق أهل السُّنَّة تسد، وإيجاد الفرقة لا يتأتى إلا بالقضاء على النقطة التي يتجمع حولها الناس، إذاً فلا بد من إزالة مراكز العلاقات.
ومسجد (الشيخ فيض) كان نقطة اتصال أهل السُّنَّة في إيران، ونافذة على مسلمي العالم لأسباب:
أولاً: أن مدينة (مشهد) هي المدينة الثانية بعد (طهران) العاصمة من حيث موقعها الاستراتيجي، حيث كان يتم استدعاء علماء أهل السُّنَّة إلى المحكمة الخاصة بالعلماء في مدينة (مشهد).
والعلماء المعتقلون من خارج (خراسان) كانوا يقضون أيام سجنهم في سجون (مشهد).
فهؤلاء العلماء الذين كان يتم إحضارهم إلى (مشهد) كان مسجد (الشيخ فيض) نقطة اتصال بينهم وبين أهل السُّنَّة، فكنَّا نتعرف على قضاياهم ومعاناتهم ومعاناة أهل السُّنَّة؛ لأنهم كانوا يقضون لياليهم فيه.
فـ(بندر عباس) و(بلوشستان) و(كردستان) و(خراسان) و... كانوا يجتمعون في هذا المسجد، فهو مأوى المستضعفين، وكان بمثابة أبٍ شفوق يطلِّع على آلام أبنائه عن كثب، فعلموا أنه لابد من إزالة هذه النقطة التي كانت تعارض سياسية النظام الإيراني المتمثلة في (فرّق تسد).
ثانياً: أن مسجد (الشيخ فيض) كان يحتضن في أيام الحج حُجَّاج أهل السُّنَّة في إيران، وكان سفرهم إلى الديار المقدسة من المسجد؛ فالمسجد كان يحيي في ذاكرتهم ذكريات الحج، ولأجل هذا حوَّل النظام وبسياسته الإبليسية محطة الحجاج من (بلوشستان) إلى مدينة (كرمان) ([1]) بينما سابقاً كان يتم نقل الحجاج من مدينة (مشهد).
ثالثاً: أن مرتادي المسجد كانوا يشكلون مشكلة أخرى للنظام؛ لأن فيهم مئات الضباط الذين كانوا يتولون مناصب عسكرية حساسة في النظام، وكان المسجد أسوة لهم، وهكذا الطلبة والمعلمون في (مشهد) كانوا من المصلين إضافة إلى أطباء وأساتذة الجامعات و.. و..
بل الذي جعل صبر النظام ينفد هو أن المسجد كان نقطة اتصال بين أهل السُّنَّة في إيران وبين مسلمي العالم، فمئات من الطلبة من (باكستان) و(فلسطين) و(السودان) وغيرها، إضافة إلى الوفود السياسية وموظفي القنصليات مثل (باكستان) و(أفغانستان) والتجار من أوروبا كانوا يرتادون المسجد.
وبهذا الموقع الحسَّاس تحوَّل المسجد إلى شوكة في عيون حكومة الشياطين، وكانت مجموعات العزاء من الشيعة تمر من طريق المسجد ولا شك أن هذه المجموعات كانت تستمع إلى معتقدات أهل السُّنَّة من أهل السُّنَّة، فكان المسجد يلعب دوراً كبيراً في فضح علماء الشيعة الذين يبيعون بخمسة تومان ما يقومون به من قراءة الروضات.
والجدير بالذكر أن الوفود المسلمة الآتية من الاتحاد السوفيتي السابق كانت تزور المسجد، والمسجد كان يستقبلهم في جو مفعم بالأخوة الصادقة.
إضافة إلى الخطب التي كانت تحمل في طياتها آهات ودموعاً منهمرة، فكانت الوفود تسأل: لماذا تصلون في الطابق الأرضي؟ هل هنا الاتحاد السوفيتي السابق؟ أو جاهلية العرب أو الأيام الأولى لدعوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟
فكانوا يبحثون عن الإجابة وبهذا كانوا يطَّلعون على آلام أهل السُّنَّة في إيران.
المسجد كان وثيقة فضيحة للحكومة الإيرانية التي شيدت خمسمائة منتزه من أموال الفقراء والمساكين، بينما هي ترعد وتزبد بالشعارات الإسلامية الجوفاء وأكثر شعبها يتضور جوعاً.
رابعاً: وجود عشرات الفصول لمدارسة القرآن الكريم في (مشهد) والتي كانت بإشراف هذا المسجد لأبناء (خواف):
1) فصل للقرآن في (مشهد).
2) فصل لأبناء (بيرجند) في (مشهد).
3) فصل لأبناء (تربت جام) في (مشهد).
4) فصل للقرآن في طرق في (مشهد)، إضافة إلى الجلسات الأسبوعية في بعض البيوت بإشراف المسجد.
5) فصول في العقيدة قبل صلاة الجمعة.
6) الفصول الرياضية مثل (الكونغوفو) في الطابق الأرضي وكان يشارك فيها عشرات من الشباب، وكانت التدريبات تبدأ بآيات من القرآن الكريم وتنتهي بصيحة (الله أكبر).
7) فصول وجلسات لمدارسة القرآن الكريم للأخوات في كل سبت من العصر إلى العشاء.
8) وجود حلقات الأناشيد، وقد كانت تحوز الرقم الأول في (خراسان).
9) وقبل هدم المسجد بشهرين تم اجتماع للطلاب من مختلف الأقسام، ومن بلاد مختلفة بعد صلاة الجمعة وعددهم كان يبلغ حوالي مائة وخمسين طالباً، وكانوا يُعَرَّفون على مسئولياتهم في مجتمعاتهم حتى يكونوا عناصر مفيدة، وكان من المقرر أن يعدَّ كلَّ شخصين في موضوع ما مقالاً ويقرؤه أحدهما على الحضور.
فهذه هي المسائل التي كانت تزيد من أهمية المسجد.
أما العدو الضيق الأفق والحقود فلا يتحمل مثل هذه المظاهر الايجابية في المجتمع فهي تحيي الأمة من جديد.
أجل.. لم تَرُقْهُ زمرة الشيطان فأقدمت على تخريب المسجد، لتتلاشى هذه الجهود المباركة والخطوات الميمونة في سبيل إيقاظ الأمة، وتتبدد بذلك آمالنا.
وقد كنت أنا محور هذه الفعاليات، فأردوا تجريحي أكثر حتى لا أتمكن من إثارة الشباب ودفعهم إلى الأمام، ليشكلوا خطراً على النظام فجعلوني كبش فداء، فوقعت في شراكهم بذهابي إلى باكستان وتحملت ضرباتهم، وأُقسم بالله العظيم أن سفري إلى باكستان كان الهدف منه إيصال صرخة المسجد المظلوم إلى المسلمين.
([1]) مدينة كرمان تقع في وسط إيران وهي مركز محافظة كرمان .