موقع البرهان - هل مات الحسن بن علي مسموماً؟؟

ذكرت الروايات أن الحسن بن علي رضي الله عنهما مات متأثراً بالسم، وذكرت بعض الروايات أن الذي دس السم زوجته جعدة بنت الأشعث وذكر بعضهم أن يزيد هو الذي أمر جعدة بذلك، ورواية أخرى تذكر أن معاوية رضي الله عنه هو الذي أمر بعض خدم الحسن أن يسقيه سماً، ورواية تقول بأن هند بنت سهيل بن عمرو هي التي فعلت ذلك، فما الحق في المسألة؟<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" /><o:p></o:p> أولا: نقد الروايات:<o:p></o:p> 1- إن أصابع الاتهام تشير إلى معين مما يضعف اتهام شخص بعينه، فمن نتهم؟<o:p></o:p> هل نتهم معاوية رضي الله عنه؟ أم نتهم ابنه يزيد؟ أم نتهم سعدة بنت الأشعث؟ أم نتهم هند بنت سهيل بن عمرو؟ أم أن المتهم هو الأشعث؟<o:p></o:p> 2- الحسن رضي الله عنه لم يعرف من الذي سمه، وكذلك لم يعرف الحسين، وإلا لطالب الحسين بإقامة الحد على من قتل أخاه، بل إن أصابع الاتهام لم تشر من قريب أو بعيد لمعاوية أو يزيد، فمن أين عرف الناس وغاب عن الحسن والحسين؟<o:p></o:p> 3- أن الروايات اختلفت فيمن حرّض: هل هو يزيد؟ أم معاوية رضي الله عنه؟ فرواية تقول أن يزيد حرض جعدة، وأخرى تقول إن الذي حرض هو معاوية وأن المرأة هي هند بنت سهيل بن عمرو.<o:p></o:p> 4- أن جعدة بنت الأشعث بن قيس ليست بحاجة إلى شرف أو مجد أو مال، وكذلك هند بنت سهيل بن عمرو، حتى تسارع لتنفيذ هذه الرغبة من يزيد لتتزوج منه فزوجها الحسن أفضل الناس، وأكرمهم نسباً في زمنه فهو سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأمه فاطمة، وأبوه علي أحد العشرة المبشرين بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين: أفتستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؟<o:p></o:p> 5- على فرض موت الحسن رضي الله عنه مسموماً، ما الدليل على أن الذي سمّه هو معاوية رضي الله عنه دون غيره؟ فالحسن رضي الله عنه له أعداء كثيرون منهم الخوارج، فضاعت التهمة بين أكثر من طرف.<o:p></o:p> 6- أن هذا يبطل معتقد الرافضة في علم الأئمة للغيب وأنهم يعلمون متى يموتون، فمقتضى هذه الرواية أن الحسن رضي الله عنه مات منتحراً والعياذ بالله، وحاشاه رضي الله عنه.<o:p></o:p> 7- معاوية رضي الله عنه هو من دهاة العرب باعتراف الرافضة أنفسهم ، فكيف يقتل من تصالح معه ويثير شيعته عليه وهو يريد استقرار الأمور لملكه الواسع ؟<o:p></o:p> فإن نفوا ذكاء معاوية رضي الله عنه واتهموه بالغباء حقداً عليه ، فهل يُعقل أن يتغلب الغبي على الإمام المعصوم (الذكي) ؟ وهل يُعقل أن يترك الإمام المعصوم أمر المسلمين بين يدي (غبي) حفاظاً على (البيضة) ؟<o:p></o:p> <o:p> </o:p> <o:p> </o:p>هذا وقد تحدث بعض أهل العلم عن متن قصة سم الحسين بن علي رضي الله عنهما فمن هؤلاء:-<o:p></o:p> 1- القاضي ابن العربي المالكي حيث يقول:-<o:p></o:p> فإن قيل: دس على الحسن من سمه، قلنا هذا محال من وجهين: أحدهما: أنه ما كان ليتقي من الحسن بأسا وقد سلم الأمر.<o:p></o:p> الثاني: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله، فكيف تحملونه بغير بينة على أحد من خلقه؟ في زمن متباعد، لم نثق فيه بنقل ناقل، بين أيدي قوم ذوي أهواء وفي حال فتنة وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه ما لا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم (1).<o:p></o:p> 2- تقي الدين ابن تيميه:- <o:p></o:p> "وأما قوله: إن معاوية سم الحسن فهذا مما ذكره بعض الناس، ولم يثبت ذلك ببينة شرعية، أو إقرار معتبر ولا نقل يجزم به، وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم " (2).<o:p></o:p> ثم يبين ابن تيمية أن قيس بن الأشعث مات سنة أربعين وقيل سنة إحدى وأربعين ولهذا لم يذكر في الصلح الذي كان بين معاوية والحسن بن علي، وإذا كان قد مات قبل الحسن بعشر سنين فكيف يكون هو الذي أمر ابنته أن تدس السم لزوجها؟<o:p></o:p> وعندما خرج الحسين رضي الله عنه على يزيد لم يذكر قط أنه فعل ذلك بسبب دسه السم لأخيه<o:p></o:p> 3- الحافظ الذهبي:-<o:p></o:p> "قلت: هذا شيء لا يصح فمن الذي اطلع عليه " (3).<o:p></o:p> 4- المؤرخ ابن خلدون:-<o:p></o:p> "وما ينقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بن الأشعث فهو من الأحاديث الواهية وحاشا لمعاوية من ذلك " (4).<o:p></o:p> 5- الإمام ابن كثير:-<o:p></o:p> يقول في البداية والنهاية: "وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمّي الحسن وأنا أتزوجك بعده ، ففعلت ، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال : إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا ؟ وعندي أن هذا ليس بصحيح ، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى"(5).<o:p></o:p> - وقد علق الدكتور جميل المصري على هذه القضية في كتابه : أثر أهل الكتاب في الفتن والحروب الأهلية في القرن الأول الهجري ( ص 482 ) بقوله : .. ثم حدث افتعال قضية سم الحسن من قبل معاوية أو يزيد .. ويبدو أن افتعال هذه القضية لم يكن شائعاً آنذاك ؛ لأننا لا نلمس لها أثراً في قضية قيام الحسين ، أو حتى عتاباً من الحسين لمعاوية<o:p></o:p> <o:p> </o:p> ثانيا: نقد السند:<o:p></o:p> الرواية الأولى: قال ابن عساكر في تاريخه أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني عن عبد العزيز الكتاني عن عبيد الله بن أحمد الصيرفي- إجازة- عن أبي عمر بن حيوية عن محمد بن خلف بن المرزبان حدثني أبو عبد الله الثماني أن محمد بن سلام الجمحي عن ابن جعدبة قال: كانت جعدة بنت الأشعث بن قيس تحت الحسن بن علي، فدس إليها يزيد أن سمي حسناً أنى مزوجك، ففعلت فلما مات الحسن بعثت أليه جعدة تسأل يزيد الوفاء بما وعدها فقال: إنا والله لم نرضك للحسن فنرضاك لأنفسنا؟<o:p></o:p> قلت: الرواية في سندها ابن جسدية وهو يزيد بن عياش بن جسدية الليثي أبو الحكم المدني نزيل البصرة، وقد ينسب لجده.<o:p></o:p> كذّبه مالك وغيره وفي كاشف الذهبي: عن الأعرج ونافع وعنه علي بن الجعد، وسعيد بن مريم ترك "أي أن أهل الحديث تركوا روايته لشدة الطعن فيه ".<o:p></o:p> الرواية الثانية: ذكر البلاذري في أنساب الأشراف قال: وقال الهيثم بن عدي دس معاوية إلى ابنة سهيل بن عمرو امرأة الحسن مائة ألف دينار على أن تسقيه شربة بعث بها إليها ففعلت.<o:p></o:p> الكلام في السند:<o:p></o:p> الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المنهجي ثم الكوفي.<o:p></o:p> قال البخاري: ليس بثقة، كان يكذب.<o:p></o:p> وعن يحيى بن معين: ليس بثقة، كان يكذب.<o:p></o:p> وقال أبو داود: كذاب.<o:p></o:p> وقال النسائي: متروك الحديث، وقال مرة: منكر الحديث.<o:p></o:p> وقال ابن المديني: هو أوثق من الواقعي ولا أرضاه في شيء.<o:p></o:p> وقال أبو حاتم: متروك الحديث، محله محل الواقدي.<o:p></o:p> وقال أبو زرعة: ليس بشيء.<o:p></o:p> وقال العجلي: كذاب، وقد رأيته.<o:p></o:p> وقال الساجي: سكن مكة، وكان يكذب.<o:p></o:p> فأنت ترى أن كل ما روي في اتهام معاوية رضي الله عنه أو ابنه يزيد أو جعدة أو ابنة سهيل بن عمرو ما هما ألا روايتان كلاهما فيها كذاب. فلا يجوز الالتفات إليهما فضلاً عن تداولهما ونشرهما.<o:p></o:p> هذا وقد ذكر البلاذري رواية أخرى بصيغة التمريض وليس فيها إسناد فيقول: وقد قيل أن معاوية دس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس امرأة الحسن، ويرغبها حتى سمته وكانت شانئة له.<o:p></o:p> فالقصة بدون إسناد أصلاً وبصيغة من صيغ التمريض ثم إنها ذكرت أن الذي اتفق مع جعدة هو معاوية رضي الله عنه وليس يزيد. <o:p></o:p> <o:p> </o:p> الرواية الثالثة: قال الطبراني في المعجم الكبير: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ثنا يحيى بن أبي بكير ثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص ثم أن سعدا والحسن بن علي رضي الله عنهما ماتا في زمن معاوية رضي الله عنه فيرون أنه سمّه.<o:p></o:p> قلت: وهذه الرواية وإن صحت إلى قائلها فإنها لا تصح وذلك لأن أبا بكر بن حفص هو من صغار التابعين فالرواية منقطعة. <o:p></o:p> ثم إن متن الرواية يقول : فيرون أنه سمه، فمن هؤلاء الذين يرون ذلك؟ ما سندهم؟ وما دليلهم؟<o:p></o:p> فالرواي لم يذكرهم ولم يحددهم فالرواية على هذا تكون ضعيفة ومنقطعة .<o:p></o:p> <o:p> </o:p> الرواية الرابعة: قال ابن الأثير في كتابه أسد الغابة: وقد اختلف في وقت وفاته، فقيل: توفي سنة تسع وأربعين، وقيل: سنة خمسين، وقيل: سنة إحدى وخمسين، وكان يخضب بالوسمة.<o:p></o:p> وكان سبب موته أن زوجته جعدة بنت الأشعث بن قيس السم، فكانت توضع تحته طست، وترفع أخرى نحو أربعين يوماً، فمات منه، ولما اشتد مرضه قال لأخيه الحسين رضي الله عنهما: يا أخي سقيت السم ثلاث مرات لم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي، قال الحسين: من سقاك يا أخي؟ قال: ما سؤالك عن هذا؟ أتريد أن تقاتلهم؟ أكلهم إلى الله عز وجل.<o:p></o:p> قلت: فهنا قد ذكر ابن الأثير الحادثة بدون سند فهي ليست بحجة ، الحجة هي ما ورد بسند صحيح.<o:p></o:p> <o:p> </o:p> الرواية الخامسة: جاء في الاستيعاب: ذكر أبو زيد عمر بن شبة وأبو بكر بن أبي خيثمة قالا: حدثنا موسى ابن إسماعيل قال حدثنا أبو هلال عن قتادة قال: دخل الحسين على الحسن فقال: يا أخي إني سقيت السم ثلاث مرات لم أسق مثل هذه المرة إني لأضع كبدي، فقال الحسين: من سقاك يا أخي، قال: ما سؤالك عن هذا أتريد أن تقاتلهم؟ أكلهم إلى الله.<o:p></o:p> فلما مات ورد البريد بموته على معاوية فقال: يا عجباً من الحسن شرب شربة من عسل بماء رومة فقضى نحبه. وأتى ابن عباس معاوية فقال له: يا بن عباس احتسب الحسن، لا يحزنك الله ولا يسوءك، فقال: أما ما أبقاك الله لي يا أمير المؤمنين فلا يحزنني الله ولا يسوءني، قال: فأعطاه على كلمته ألف ألف وعروضاً وأشياء، وقال: خذها وأقسمها على أهلك.<o:p></o:p> قلت: وهذه الرواية لا تصح لوجود أبي هلال وقتادة فيها:<o:p></o:p> فأبو هلال جاء فيه في تهذيب التهذيب: قال أحمد بن حنبل: يحتمل في حديثه ، إلا أنه يخالف في قتادة ، و هو مضطرب الحديث .<o:p></o:p> وأما قتادة بن دعامة فجاء فيه في تهذيب التهذيب: (و قال الحاكم في " علوم الحديث " : لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس).<o:p></o:p> قلت : إذا فلم يسمع من الحسين ولا الحسن رضي الله عنهما فلا تصح الرواية. <o:p></o:p> وختاما لهذه الشبهة نقول:<o:p></o:p> إن الحسن مات مسموماً- ونحسبها شهادة له عند الله تعالى- لكن القول بأن فلانا أو فلانة سموه قول بغير علم وتخرص بلا دليل فليتق الله من ينقل هذه الأقوال ويحاسب نفسه قبل أن يحاسب يوم يقوم الناس لرب العالمين.<o:p></o:p> <o:p></o:p> الهوامش:<o:p></o:p> (1): العواصم من القواصم "لابن العربي تحقيق محب الدين الخطيب، محمود الاستنانبولي د. محمد جميل غازي ص (221-220) دار الكتب السلفية القاهرة 1405 هـ<o:p></o:p> (2): منهاج السنة لابن تيمية (4/469).<o:p></o:p> (3) "تاريخ الإسلام، للذهبي عهد معاوية تحقيق عمر عبد السلام التدمري ط دار الكتاب العربي بيروت.<o:p></o:p> (4) "تاريخ ابن خلدون " (1/969) ط دار ابن حزم بيروت.<o:p></o:p> (5) البداية والنهاية لابن كثير (3/48).

تصفح الكتاب

بحث