إلى سماحة مرجع الشيعة الكبير آية الله العظمى مكارم الشيرازي
بعد إهداء السلام وتقديم الأدب والاحترام وتمنياتي لكم ولجميع خادمي الإسلام والمسلمين بالتوفيق الدائم،
أودُّ أن أُعلِمَكُم أنني «حجت الله نيكوئي» طالب في كلية اللغة الانكليزية، قسم الترجمة، في جامعة «پيام نور» (رسالة النور)، مركز طهران، وأنني قد قرأتُ كتاب سماحتكم «پنجاه درس أصول عقايد براي جوانان» (خمسون درساً للشباب في أصول العقائد) واستفدت من معلوماته كثيراً، إلا أن أسئلةً متعدِّدَةً طُرحت في ذهني معظمها يتعلق ببحث الإمامة فيه وخاصَّةً فيما يتعلق بأدلّة إثبات ضرورة وجود أئمة معصومين بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. لذا أستأذن من سماحتكم في طرح نماذج من تلك الأسئلة معتذراً منكم لأخذ مقدارٍ من أوقاتكم الثمينة:
ذكرتم سماحتكم في قسم «أدلّة وجود الإمام» (الصفحات من 241 إلى 246) خمسة أدلة على ثبوت ضرورة وجود أئمة معصومين بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم. إن الأدلة الأربعة الأولى منها تنقضها بوضوح غيبة الإمام المعصوم، والسبب أن تلك الأدلة تستلزم حضور الإمام المعصوم في جميع الأزمنة وإلى يوم القيامة (بعبارة أخرى لا تستلزم تلك الاستدلالات ضرورة «وجود» الإمام فقط بل تستلزم «الحضور المتواصل» لإمام معصوم في جميع الأزمنة أيضاً، وهو أمر تُناقضه غيبة الإمام الثاني عشـر (عج)! أما في الدليل الخامس فقد استخدمتم مقدمات وافتراضات بعضها مبهم، إلى حدٍّ ما، من ناحية معناه ومفهومه، والبعض الآخر لا يمكن إثباته. وفيما يلي توضيح هذه النقاط:
ذكرتم في الدليل الأول تحت عنوان «التكامل المعنوي في ظل وجود القادة الإلهيين» أن الهدف من خلق الإنسان هو حركته «نحو الله، نحو الكمال المطلق ونحو التكامل المعنوي بجميع أبعاده» ثم تفضلتم إنه لاشك في أن الإنسان «لا يمكنه أن ينجز سلوك هذا الطريق من دون قيادة إمام هادٍ معصوم وإرشاداته، ومن المحال قطع هذه المرحلة دون قيادة معلّم سماوي».
من الواضح أنه إذا صحّ هذا الكلام فإنه لن يستلزم «وجود» أئمة معصومين فحسب بل يستلزم أيضاً «حضورهم» في كل عصـر وزمن، لأنه من الواضح أن الإمام غير الحاضر أي الغائب لا يمكنه أن يكون مرشداً وقائداً ومعلماً للناس ولا أن يقوم بمهمة هداية الناس وتربيتهم وإرشادهم. فإذا كان الأمر كذلك أفلا تنقض غيبة الإمام الثاني عشر كلامكم هذا؟
لقد قلتم في بداية الأمر إن الهدف من خلق الإنسان أن يصل إلى التكامل المعنوي ثم قلتم إنه طبقاً لقاعدة اللطف «لا بدَّ أن يُبَـيِّنَ اللهُ الحكيمُ جميعَ الأمور اللازمة لوصول الإنسان إلى الهدف من خلقه وأن هذا يشمل أن يرسل له أنبياء وينصب لهدايته أئمة معصومين وإلا لانتقض الغرض من خلقه له». أليست نتيجة هذه المقدمات هي أنه منذ حوالي ألف ومئتي عام وحتى اليوم وإلى أن يظهر إمام الزمان (عج) الناسُ محرومون من الكمال المعنوي (أي من ذلك الشيء الذي هو غرض الله من خلق الإنسان) لأنهم محرومون فعلاً من حضور الإمام المعصوم الذي يرشدهم ويقودهم مثل معلم سماوي إلى طي «الطريق نحو الله المليء بالمطبات والمصاعب، والطريق نحو الكمال ونحو التكامل المعنوي»؟ أليس حرمان الناس من ذلك بسبب الغيبة نقض للغرض ومنافٍ لقاعدة اللطف؟؟
وتفضَّلْتُم سماحتكم: «صحيح أن الله زوَّدَ الإنسانَ بقوَّة العقل والتفكير والمنطق وأعطاه وجداناً قوياً ومثمراً وأرسل لهدايته كتباً سماويّةً ولكن رغم كل تلك الوسائل التكوينية والتشريعية التي جُهِّزَ الإنسان بها لا يزال من الممكن أن يقع الإنسان في الخطأ في تشخيص الطريق». ولهذا الدليل اعتبرتم وجودَ إمام مرشدٍ معصوم أمراً ضرورياً، واستنتجتم أنه: «من المسلم به أن وجود إمام معصوم يقلِّل إلى حدٍّ كبير الانحراف والضلال».
بيد أن هذا الكلام يطْرَح سؤالين في الذهن، الأول: أنه لو كان دليل وجود إمام معصوم هو «التقليل إلى حد كبير من خطر الانحراف والضلال» أفلا يجب أن يكون هناك إمام معصوم حاضراً دائماً؟ إذْ كيف يمكن لإمامٍ غائبٍ أن يقلِّل من خطر الانحراف والضلال؟! وثانياً: بهذه الطريقة من الاستدلال لماذا لا تريحون خاطركم مرة واحدة، فتقولون رغم أن الله أعطى للإنسان عقلاً ومنطقاً ووجداناً مثمراً وكتباً سماويةً ونصب له – على حد قول الشيعة – إماماً معصوماً، إلا أن وجود هذه الوسائل التكوينية والتشريعية لا يزيل احتمال خطأ الإنسان في تشخيصه لطريقه وأن يؤدي خطؤه هذا إلى انحرافه وضلاله، وبالتالي فمن اللازم أن يخلق الله الإنسان معصوماً من الأساس كي لا يقع أبداً في أي خطأ أو اشتباه أو ضلال؟!
وتفضلتم في الدليل الثاني وتحت عنوان «الحفاظ على الشرائع السماوية» بأنه:
«لا بد أن يوجد دائماً قائد معصوم كي يحافظ على أصالة الدين ونقاء التعاليم الدينية وكي يمنع وقوع الانحرافات والأفكار التلفيقية والانتقائية والآراء الخاطئة والدخيلة والأوهام والخرافات».
وأقول: لو كان هذا هو دليل «وجود» الإمام فإنه سيستتبع ضرورة «حضوره» أيضاً، وهذا أمر يتناقض مع غيبة إمام الزمان (عج)، إذْ كيف يمكن للإمام الغائب أن يمنع «الانحرافات والأفكار التلفيقية و.......» ويحول دون تلوث الشـريعة بالأوهام والخرافات؟
وفي دليلكم الثالث الذي ذكرتموه تحت عنوان «القيادة السياسية والاجتماعية للأمة» يمكن تلخيص استدلال سماحتكم بما يلي:
«1- لا يمكن لأي جماعة أو مجتمع أن يواصلوا حياتهم دون نظام اجتماعي يرأسه قائد قوي.
2- إذا أراد الإنسان أن يتمكن من تحقيق هدف الكمال المعنوي فلا بد أن يجتاز هذا الطريق ضمن جماعة ومجتمع.
3- لابد من مجتمع يسوده نظام صحيح حتى تزدهر فيه إمكانيات المجتمع ويحارب الانحرافات.
4- لا يملك الإنسان الخطّاء القدرة على القيام بمثل هذه الرسالة العظيمة.».
والنتيجة هي: «لا بد أن يعيّن الله تعالى إماماً ومرشداً معصوماً لكي يشـرف على هذا الأمر المهم ويمنع الانحرافات».
من الواضح تماماً أنه لو صح هذا الاستدلال لما جاز أبداً أن يغيب الإمام المعصوم، لأن الإمام الغائب لا يمكنه أن يقود المجتمع سياسياً واجتماعياً ولا أن يمنع الأخطاء والانحرافات والمظالم والاضطهاد والإجحاف والضـرر بالمظلومين ويطبق النظام الصحيح المنشود في المجتمع. ومن جهة أخرى فإن الإنسان غير المعصوم والخطَّاء غير قادر - على حد قولكم - على «القيام بهذه الرسالة العظيمة»؛ أليست نتيجة ذلك إذن هي أنه منذ حوالي ألف ومئتي عام لم يستطِع أي إنسان (بسبب غيبة إمام الزمان (عج) وعدم تحقق المجتمع والحكومة التي أشرتم إليها في دليلكم أعلاه) أن «ينال هدفه في الكمال المعنوي»؟ أوليس هذا نقضاً للغرض؟
وفي الدليل الرابع وتحت عنوان «لزوم إتمام الحجة» تفضلتم أنه:
«يجب أن تتم الحجة على الأشخاص الذين يسيرون في الطريق المنحرف عن عمد وقصد، حتى إذا ما أُوعدوا بعقاب على عملهم يكون ذلك الوعيد مستنداً إلى حجة ودليل ولا يبقى لأي أحد أي مجال للتحجُّج بأنه لو كان لديه قائد ربّاني وسماوي يأخذ بيده نحو الحق لما تخلّف عن صراط الله. والخلاصة لا بد من سد باب العذر وبيان دلائل الحق بشكل كافٍ ووافٍ وإفهام الجاهل وطمأنة العالم وتقويته».
ولكن تناقض هذا الاستدلال وتنافيه مع غيبة الإمام المعصوم واضحٌ وجليٌّ أكثر من جميع الأدلة الأخرى. أليست نتيجة هذا الاستدلال هي أنه منذ ما يقارب الألف ومئتي عام وحتى اليوم لم تتم الحجة على المذنبين والعاصين وبالتالي فجميعهم سيكونون معذورين يوم القيامة؟! أي قائد ربّاني وسماوي يأخذ بيد الناس اليوم -حيث الإمام المعصوم غائب عنهم - نحو الحق ويرشدهم كي يسد باب العذر؟ هل يستطيع الإمام الغائب أن يبين للناس دلائل الحق ويُفهم الجاهل ويقوِّي العالم ويُطَمْئِنه كي لا يبقى لأحد عذر ولا حجة يوم القيامة؟
وفي دليلكم الخامس وتحت عنوان «الإمام هو الواسطة الكبرى للفيض الإلهي» شبّهتم في البدء وجود النبي والإمام في المجتمع البشـري أو في عالم الوجود بأسره بوجود «القلب» في جسم الإنسان ثم تفضلتم بأنه: «لما كان الإمام المعصوم بوصفه إنساناً كاملاً ورائداً لقافلة البشرية سبباً لنزول الفيض الإلهي، وكان كل فرد يتمتَّع بهذا الفيض ويستفيد منه بمقدار ارتباطه بالنبي والإمام؛ فينبغي القول كما أن وجود القلب ضروريٌ للإنسان، كذلك وجود واسطة الفيض الإلهي ضروريٌ لجسم البشرية».
وأقول: أولاً إن تعبير «الفيض الإلهي» هنا لا يخلو من إبهام ولا ندري معناه الدقيق بالضبط؟. ثانياً ما هي الدلائل التي تثبت أن وجود الواسطة –خاصة الواسطة الإنسانية- ضرورية لأجل فيض الله على البشر؟ ألا يستطيع الله أن يفيض على الناس دون واسطة؟ هل القيام بذلك الأمر محال على الله؟ لا ننسَ أننا عندما نقول «إن وجود واسطة الفيض الإلهي في جسم البشرية ضروريٌّ» فمعنى ذلك أن الله لا يستطيع أن يفيض على البشرية دون وجود الواسطة (التي هي هنا النبي أو الإمام) فهل هذا الكلام يتّفق مع العقل والدين؟ وكيف يستفيد الأنبياء أنفسهم من الفيض الإلهي إذن؟ هل هناك واسطة لوصول الفيض إليهم؟ (أقصد واسطة إنسانية أي نبي أو إمام معصوم وإلا فلا ننكر وجود واسطة غير إنسانية أي ملاك الوحي فهذا خارج عن بحثنا). قد تقولون: إن الله يستطيع أن يفيض دون واسطة، لكن الناس غير مؤهلين لذلك لذا كان وجود الواسطة ضرورياً. فنقول: لنفرض أن عطاء الله يتطلّب الأهلية ولكن الأهلية وعدمها هي من الله أيضاً، وثانياً: كيف يمكننا أن نثبت أن الإنسان لا يملك القابلية والأهلية لتلقي الفيض الإلهي دون واسطة خاصة الواسطة الإنسانية؟
وسؤالي الآخر هو: أليست النتيجة المنطقية اللازمة عن تلك الدلائل من الأول إلى الرابع هي، إضافةً إلى ضرورة حضور الإمام المعصوم في كل الأزمنة، ضرورة حضوره في كل الأمكنة، وبالتالي ضرورة أن يتعدَّدَ الأئمة المعصومون في كل عصـر وينتشروا في كل بقعة وناحية من أنحاء العالم وبقاعه؟ خذوا على سبيل المثال زمن الإمام الصادق (ع)، هل كان باستطاعته (ع) أن يتم الحجة على أهالي البلدان الأخرى مثل ألمانيا وإيطاليا وانجلترا ونيوزيلندا و... وأن يكون إماماً وهادياً ومرشداً لهم؟ هل أهالي الجزيرة العربية وحدهم خلقوا لأجل التكامل المعنوي مما استدعى أن ينصب الله تعالى لهم وحدهم إماماً معصوماً؟ إذن فما هو مصير الخلق في سائر أنحاء العالم في ذلك الزمن وفي الوقت الحاضر؟؟
الموضوع الآخر أن سماحتكم قلتم في الصفحة 322 من ذلك الكتاب:
«ونعلم أن مواصلة خط الإمامة والولاية في عصر غيبة المهدي (أرواحنا فداه) يتم بواسطة نوابه العامِّين يعني العلماء والفقهاء»
لكن سؤالي هو: ألا يدل هذا الكلام (الذي قيل ظاهراً لأجل حل معضلة الغيبة) على نسيان كل تلك التأكيدات التي قيلت سابقاً حول ضرورة وجود إمام معصوم وقائد سماوي ومرشدٍ مِنْ قِبَلِ الله في جميع الأزمنة وبشكل دائم؟ وهل يستطيع العلماء والفقهاء (غير المعصومين) أن يقوموا برسالة المعصومين الخطيرة أو مواصلتها؟ هل يستطيع غير المعصوم أن يؤدي دور المعلم الديني والمرشد الهادي، وأن يحافظ على الشرائع السماوية وأن يُتِمَّ الحجة على الناس ويقود الأمة الإسلامية دينياً وسياسياً واجتماعياً ويسوق الناس نحو التكامل المعنوي؟ إذا كانت الإجابة إيجابية انتفت ضرورة وجود إمام معصوم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا كانت سلبية بقيت مشكلة التعارض بين غيبة الإمام الثاني عشر (عج) وبين أدلة ضرورة وجود إمام معصوم بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على حالها دون حلّ!.
وفي الختام اكرِّر اعتذاري من سماحة المرجع الكبير لمضايقة أوقاتكم الشريفة والثمينة وأسأل الله لكم طول العمر المقترن بالعزّة والرفعة لسيادتكم.
مع وافر الشكر الجزيل.