خروج الحسين بن علي رضي الله عنه (12/1)
مدير الموقع
الإثنين 6 ديسمبر 2010 م
<font size="3" face="Simplified Arabic"><strong> <p align="left"><font color="#ff0000">د. علي الصلابي</font></p><font color="#ff0000"></font> <p align="justify"><br><font color="#ff0000">أولاً: اسمه ونسبه وشيء من فضائله: </font><br>هو أبو عبد الله الحسين بن عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته ومحبوبه، ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاطمة -رضي الله عنها-. كان مولده سنة أربع للهجرة، ومات رضي الله عنه قتيلاً شهيداً، في يوم عاشوراء من شهر المحرم، سنة إحدى وستين هجرية بكربلاء من أرض العراق، فرضي الله عنه وأرضاه. </p> <p align="justify"><br><font color="#ff0000">وقد وردت في مناقبه وفضائله أحاديث كثيرة منها: <br></font>1 - ما رواه أحمد بإسناده إلى يعلى العامري -رضي الله عنه- أنه خرج مع رسول الله يعني إلى طعام دعوا له، قال: فاستمثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمام القوم، وحسين مع غلمان يلعب، فأراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأخذه، فطفق الصبي يفر هنا مرة وهاهنا مرة، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يضاحكه حتى أخذه، قال: فوضع إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه، ووضع فاه وقبّله وقال: حسين مني وأنا من حسين، اللهم أحبّ من أحبّ حسيناً، حسين سبط من الأسباط. </p> <p align="justify"><br>2 - ما رواه البخاري بإسناده إلى ابن عمر قد سأله رجل من العراق عن المُحرِم يقتل الذباب فقال رضي الله عنه: أهل العراق يسألون عن الذباب وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: هما ريحانتاي من الدنيا. </p> </strong></font><p align="justify"><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong><br>3 - وروى أحمد بإسناده إلى أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. <br><font color="#0000ff">وغير ذلك من الأحاديث، وفي النية إفراد كتاب مستقل عن أبي عبد الله الشهيد الحسين بن علي -رضي الله عنهما- بإذن الله تعالى. </font></strong></font><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong></strong></font></p> <p align="justify"><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong><font color="#ff0000">ثانياً: الأسباب التي أدّت إلى خروج الحسين، والفتوى التي بنى عليها خروجه رضي الله عنه: <br></font>كان موقف الحسين من بيعة يزيد بن معاوية هو موقف المعارض، وشاركه في المعارضة عبد الله بن الزبير والسبب في ذلك: حرصهما على مبدأ الشورى، وأن يتولى الأمة أصلحها - وتلك الممانعة الشديدة من قبل الحسين وابن الزبير، قد عبرت عن نفسها بشكل عملي فيما بعد؛ فالحسين -رضي الله عنه- كما مرّ معنا، كان معارضاً للصلح، والذي حمله على قبوله هو متابعة أخيه الحسن بن علي، ثم إن الحسين بن علي استمر على صلاته بأهل الكوفة، وقد كان يعدهم بالمعارضة ولكن بعد وفاة معاوية، والدليل على ذلك أنه بمجرد وفاة معاوية سارع زعماء الكوفة بالكتابة إلى الحسين، وطلبوا منه المسير إليهم على وجه السرعة ، ومن الأسباب التي أدّت إلى خروج الحسين رضي الله عنه: </strong></font></p> <p align="justify"><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong><br>1 - هو إرادة الله -عز وجل- وأن ما قدّره سيكون، وإن أجمع الناس كلهم على رده فسينفذه الله، لا رادّ لحكمه ولا لقضائه سبحانه وتعالى. <br>2 - قلب الحكم من الشورى إلى الملك الوراثي: <br><font color="#0000cc">ومن الأسباب: </font>ما كان من عدم التزام معاوية بشروط الحسن في الصلح والتي من ضمنها ما ذكره ابن حجر الهيثمي:.. بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين. <br>ورأى الحسين في محاولة معاوية توريث الحكم من بعده لابنه يزيد مخالفة واضحة لمنهج الإسلام في الحكم، ومع ذلك فإنه لم يهتم بالخروج على معاوية، نظراً لمبايعته له بالخلافة، فظل على عهده والتزامه. ولكن بعد وفاة معاوية تغيّر الموقف؛ فالحسين لم يعد في عنقه بيعة توجب عليه السمع والطاعة، ويدلّ على ذلك محاولة والي المدينة الوليد بن عتبة أخذ البيعة من الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير، وخروجهما بعد ذلك إلى مكة دون أن يأخذ بيعتهما. </strong></font></p><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong> <p align="justify"><br>إ<font color="#0000cc">ن موقف الحسين وفتواه ضد الحكم الأموي مرّت بمرحلتين: <br></font><font color="#ff0000">الأولى:</font> مرحلة عدم البيعة ليزيد، وذهابه إلى مكة، وهذه المرحلة أسس فيها الحسين موقفه السياسي من حكم يزيد، بناء على نظرته الشرعية لحكم بني أمية؛ فهو يرى عدم جواز البيعة ليزيد، وذلك لسببين: فعلى الصعيد الشخصي فإن يزيد لا يصلح خليفة للمسلمين؛ نظراً لانعدام توفر شرط العدالة فيه، كما أن الحسين أفضل وأحق منه بمنصب الخلافة، فهو أكثر منه علماً، وصلاحاً وكفاءة، وأكثر قبولاً لدى الناس من يزيد. أما الصعيد السياسي فلانعدام شرط الشورى، والاستئثار بالسلطة للحكم الأموي، والذي يخالف المنهج الإسلامي في الحكم. ولم يغب عن الحسين -رضي الله عنه- قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية" ، ولكن فهمه لهذا الحديث أنه في حق من كان صالحاً للخلافة، وأهلاً لها، وكان عن شورى المسلمين. وعدم مبايعة الحسين ليزيد كانت تعني عدم إعطاء الشرعية للحكم الأموي، وهو أمر كان الأمويون يحرصون عليه أشد الحرص، وقد كتب يزيد إلى واليه في المدينة بأخذ البيعة من الحسين وابن عمر وابن الزبير، وأن يأخذهم بالشدة حتى يبايعوا، وفي نفس الوقت فإن عدم البيعة يسهل له حرية العمل السياسي، واتخاذ القرار الذي يراه مناسباً لمقاومة الحكم الأموي. </p> <p align="justify"><br><font color="#ff0000">المرحلة الثانية:</font> وهي مرحلة العمل على مقاومة الحكم الأموي، وطرح نفسه بديلاً للسلطة الأموية في دمشق، وهو ما يعبر عنها الفقهاء بالخروج على الإمام. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الحسين قد مكث في مكة بضعة أشهر قبل خروجه إلى العراق؛ فقد قدم إلى مكة في الثالث من شعبان سنة 60- للهجرة، وخرج إلى العراق في الثامن من ذي الحجة من نفس السنة. وفي هذه الفترة كان رضي الله عنه يراسل أهل العراق، وتقدم إليه الوفود، حتى رأى أنه لابد من مقاومة الظلم، وإزالة المنكر، وأن هذا أمر واجب عليه، وكانت شيعته بالعراق على اتصال به، وتمت بينهم مراسلات، وقد وصل الحسين بن علي إلى قناعة راسخة، وبنى قراره السياسي على فتوى اقتنع بها في مقاومته للحكم الأموي، فهو يرى أن بني أمية لم يلتزموا حدود الله في الحكم، وخالفوا منهج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين، وبنى الحسين رضي الله عنه فتواه بتسلسل منطقي شرعي؛ فاستبداد بني أمية، والشك في كفاءة وعدالة يزيد، توجب عدم البيعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على علماء الأمة، ومن أكبر المنكر حكم بني أمية واستبدادهم، وبما أن الحسين ليس في عنقه بيعة، وهو أحد علماء الأمة وسادتها، فهو أحق الناس بتغيير هذا المنكر، وعلى ذلك فليس موقفه خروجاً على الإمام، بل هو تغيير المنكر، ومقاومة للباطل، وإعادة الحكم إلى مساره الإسلامي الصحيح، ومما يدل على حرص الحسين -رضي الله عنه- على أن تكون فتواه وتحركاته السياسية في مقاومته للحكم الأموي متماشية مع تعاليم الإسلام وقواعده، امتناعه عن البقاء في مكة عندما عزم على مقاومة يزيد؛ حتى لا تُستحلّ حرمتها، وتكون مسرحاً للقتال وسفك الدماء، فيقول لابن عباس: لأن أُقتل بمكان كذا وكذا أحب إليّ من أن أُقتل بمكة وتُستحلّ بي. </p> <p align="justify"><br><font color="#ff0000">ثالثاً: عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة، ونصائح الصحابة والتابعين ورأيهم في خروج الحسين إلى الكوفة: <br></font><font color="#0000cc">1 - عزم الحسين على الخروج إلى الكوفة: </font><br>بعد توافد الرسائل من زعماء الكوفة على الحسين -رضي الله عنه- والتي تطلب منه المسارعة في القدوم إليهم، ولما كان العدد مشجعاً أراد أن يطلع على حقيقة الأمر، فبعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب ليستجلي له حقيقة الخبر، ثم يكتب إليه بواقع الحال، فإن كان ما يقولون حقاً قدم عليهم. خرج مسلم بن عقيل بصحبة عبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي، وقيس بن مسهر الصيداوي، وعمارة بن عبيد السلولي، فلما وصل مسلم المدينة أخذ معه دليلين، وفي الطريق إلى الكوفة تاهوا في البرية، ومات أحد الدليلين عطشاً، وكتب مسلم إلى الحسين يستعفيه، وذلك بسبب إحساسه النفسي بمدى الصعوبات التي تنتظره في الكوفة، ولكن الحسين رفض طلبه، وأمره بمواصلة المسير نحو الكوفة، ولما وصل مسلم بن عقيل إلى الكوفة نزل عند المختار بن أبي عبيد في أول قدومه، فلما جاء ابن زياد وتولى إمارة الكوفة، وأخذ يشدّد على الناس انتقل مسلم عند هانئ بن عروة، وذلك خشية انكشاف أمره، ثم لمكانة هانئ وأهميته كأحد أعيان الكوفة، ولما بدا الشك يساور ابن زياد من هانئ بن عروة خشي مسلم بن عقيل على نفسه، وانتقل أخيراً ولفترة قصيرة جداً عند مسلم بن عوسجة الأسدي أحد دعاة الشيعة، ولما بلغ أهل الكوفة قدوم مسلم بن عقيل قدموا إليه فبايعه اثنا عشر ألفاً، وتمت تلك المبايعة بصورة سرية مع تحرّصٍ شديد، ولما تأكد لمسلم بن عقيل رغبة أهل الكوفة في الحسين وقدومه إليهم كتب إلى الحسين أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله. إن جميع أهل الكوفة معك، فأقبل حين تنظر في كتابي، وهنا تأكد للحسين صدق نوايا أهل الكوفة، وأنه ليس عليهم إمام كما ذكروا من قبل، فلا بد في هذه الحالة أن يفي لهم بما وعدهم به، حين كتب إلى أهل الكوفة: وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي، وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم، فإذا كتب إليّ أنه قد أجمع رأي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأته في كتبكم، أقدم عليكم إن شاء الله. فلما وصل إلى الحسن بن علي كتاب مسلم بن عقيل والذي طلب منه القدوم إلى الكوفة، وأن الأمر مهيّأ لقدومه تجهز الحسين بن علي، وعزم على المضي إلى الكوفة بأهله وخاصّته. <br></p> <p align="justify"><font color="#0000cc">2 - مواقف الصحابة والتابعين من خروج الحسين: </font><br>أ - محمد بن الحنفية: لما بلغ محمد بن الحنفية عزم أخيه الحسين على الخروج إلى الكوفة قدم عليه وقال: يا أخي أنت أحب الناس إليّ، وأعزّهم عليّ، ولست أدّخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم أبعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ويذهب به مروءتك ولا فضلك. إني أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار، وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك فيقتلون، فتكون لأول الأسنة، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً، وأباً، وأماً، أضيعها دماً، وأذلها أهلاً. فقال الحسين: فإني ذاهب يا أخي، قال: فانزل مكة فإذا أطمأنّت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنتظر إلى ما يصير أمر الناس، وتعرف عند ذلك الرأي، فإنك أصوب ما تكون رأياً، وأحزمه عملاً حين تستقبل الأمور استقبالاً، ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً. قال: يا أخي قد نصحت فأشفقت، وأرجو أن يكون رأيك سديداً. وجاء في رواية:.. فإن الحسين حين عزم على الخروج بعث إلى بني عبد المطلب في المدينة يدعوهم للخروج معه، فقدم عليه من خفّ منهم، وتبعهم محمد بن الحنفية، فأدرك الحسين بمكة، فأعلمه أن الخروج ليس له برأي يومه هذا، فأبى الحسين أن يقبل في نفسه على أخيه محمد وقال: ترغب بولدك عن موضع أُصاب فيه؟ فقال محمد: وما حاجتي أن تُصاب ويصابون معك، وإن كانت مصيبتك أعظم عندنا منهم. </p> <p align="justify"><br>ب - عبد الله بن عباس رضي الله عنه: ولما بلغ خبر عزمه على الخروج إلى ابن عمه عبد الله بن عباس أتاه وقال: يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيّن لي ما أنت صانع؟ قال: قد أجمعت المسير في أحد يوميّ هذين إن شاء الله تعالى، فقال له ابن عباس: أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم ونفوا عدوهم وضبطوا بلادهم فسرْ إليهم، وإن كان أميرهم حياً وهو مقيم عليهم، قاهر لهم وعماله تجبي بلادهم فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمن عليك أن يستفزوا عليك الناس ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك. فقال الحسين إني استخير الله وأنظر ما يكون. ولكن ابن عباس أدرك من كلام الحسين واستعداده أنه عازم على الخروج، ولكنه يحاول إخفاء الأمر عنه لعلمه بعدم رضاه عن ذلك، لذا جاء ابن عباس إلى الحسين من الغد فقال: يا ابن عم، إني أتصبّر ولا أصبر، وإني أتخوّف عليك في هذا الوجه الهلاك، أن أهل العراق قوم غدر فلا تغترنّ بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم اقدمْ عليهم، وإلاّ فسر إلى اليمن فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعة، وكنْ عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبثّ دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب. فقال الحسين: يا ابن عم! والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير. فقال له: فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسرْ بأولادك ونسائك، فو الله إني لخائف أن تُقتل كما قُتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه، إلى أن قال: فو الله الذي لا إله إلاّ هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك. وهكذا نجد أن محاولات ابن عباس لم تُجدِ في إقناع الحسين على الرغم من أنه أظهر له - لما علم تصميمه على عدم رضاه بيزيد وضرورة العمل على تغييره - أنه لا يقف عند فكرة الحسين تماماً، ولكنه يوضح له عوامل فشل ما هو سائر لتحقيقه، ويطرح له البدائل التي ربما تكون أقرب لتحقيق ما يصبو إليه، وذلك بالانتظار حتى يقوم أهل العراق بالسيطرة التامة على إقليمهم، ويحرروه من سلطان بني أمية، وهو يدرك أنهم عاجزون عن ذلك، فبالتالي هم عاجزون عن حماية الحسين، أو أن يذهب إلى اليمن، ويعمل بما أرشده إليه؛ فإن عوامل النجاح فيه أكثر وعوامل الفشل فيه أقل من رحيله إلى العراق، ولعل ابن عباس قد لا يريد للحسين لا هذا ولا ذاك، ولكن أراد تأخير الحسين عن اتخاذ تلك الخطوة السريعة بخروجه إلى العراق، والتي لا ينفع معها تدارك الأمر، أما لو اقتنع برأي ابن عباس من الانتظار حتى يتهيأ له الأمر في العراق، أو يعدل عنه إلى اليمن، وهذا سيأخذ وقتلاً طويلاً لترتيب الأمور هناك، وبهذا أو ذاك فإنه يمكن أن يكون لعامل الوقت أثر في حل الوضع وإطفاء الفتنة. ويُفهم من كلام ابن عباس بأنه لا يخالف الحسين في خروجه على يزيد من الناحية الشرعية، ولكن كان يخالفه من الناحية الإستراتيجية؛ فكان يرى ألاّ يخرج الحسين للعراق حتى يتأكد من قوة شيعته وأنصاره هناك، وأن الأمويين لم يعد لهم نفوذ، وإلاّ فإن اليمن بعيدة عن النفوذ الأموي وله فيها أنصار، وبها أماكن كثيرة للتخفي، حتى يتمكن من جمع القوى الكافية لمقاومة الأمويين. </p> <p align="justify"><br>ت - عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: فقد نصح الحسين -رضي الله عنه- في أكثر من موقف، فحين بلغه خروج ابن الزبير والحسين إلى مكة رافضين بيعة يزيد، لقيهما وقال: أذكركما الله إلاّ رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس وتنظران، فإن اجتمع عليه الناس لم تشذّا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان، ولما قدم المدينة وبلغه خروج الحسين لأهل الكوفة لحقه ابن عمر على مسيرة ليلتين فقال: أين تريد؟ قال: العراق، ومعه طوامير وكتب، فقال: لا تأتهم قال: هذه كتبهم وبيعتهم. فقال: إن الله خيّر نبيه بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلاّ للذي هو خير لكم، فارجعوا فأبى، فاعتنقه ابن عمر، وقال: أستودعك الله من قتيل. وكان ابن عمر يقول بعد ذلك: غلبنا الحسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له ألاّ يتحرك ما عاش، وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير. </p> <p align="justify"><br>ج - عبد الله بن الزبير رضي الله عنه: اتّهمته بعض الروايات الضعيفة أنه أحد المتسببين في إقناع الحسين بالخروج إلى الكوفة. هو نفسه ثبت عنه بأنه قد أسدى النصائح للحسين، وحذّره من مغبة مغادرة مكة والذهاب إلى الكوفة، وقد نصح الحسين قائلاً: أين تذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك، فقال له الحسين: لأن أُقتل بمكان كذا وكذا أحب إليّ من أن تُستحلّ بي - يعني مكة ... </p> <p align="justify"><br><font color="#0000cc">وقد نظر بعض الصحابة إلى العمل الذي سيقدم عليه الحسين بأنه في حقيقته خروج على الإمام صاحب البيعة، كما نظروا إلى خروج الحسين وما يحمله خروجه على أنه نذر شر وبلاء على الأمة مهما كانت النتائج لأي من الطرفين منهم</font>: <br>ح - أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: حيث قال: غلبني الحسين على الخروج، وقد قلت له: اتّق الله في نفسك، والزمْ بيتك، ولا تخرجْ على إمامك . </p> <p align="justify"><br>خ - وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: كلّمت حسيناً، فقلت له: اتق الله، ولا تضرب الناس بعضهم ببعض، فو الله ما حمدتم ما صنعتم، فعصاني. ولم تتوقف المحاولات الهادفة بين الحسين وبين خروجه إلى الكوفة، فكتب إليه ابن جعفر. </p> <p align="justify"><br>ر - عبد الله بن جعفر رضي الله عنه: كتب إلى الحسين، وأرسل كتابه مع ابنيه محمد وعون: أما بعد، فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي، فإني مشفق عليك من الوجه التي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك. ولكن الحسين رفض الرجوع. وهنا ظن عبد الله بن جعفر أن سبب خروج الحسين هو خوفه من الوالي عمرو بن سعيد بن العاص، فذهب إلى عمرو بن سعيد بن العاص، وطلب منه أن يكتب كتاباً إلى الحسين يؤمنه فيه، ويعده بالخير، وكان رد عمرو بن سعيد أن قال لعبد الله بن جعفر: اكتب ما شئت وائت به أختمه. فكتب ابن جعفر: بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي، أما بعد، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يبوقك، وأن يهديك لما يرشدك، بلغني أنك قد توجهت إلى العراق، وإني أعيذك بالله من الشقاق، فإني أخاف عليك فيه الهلاك، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر، ويحيى بن سعيد، فأقبل إليّ معهما، فإن لك عندي الأمان والبر والصلة وحسن الجوار لك، والله بذلك شهيد وكفيل، ومراع ووكيل، والسلام عليك. ولكن الحسين -رضي الله عنه- رفض هذا الرجاء أيضاً وواصل مسيره. </p> <p align="justify"><br>ز - أبو واقد الليثي رضي الله عنه: فقد رُوي عنه أنّه قال: بلغني خروج الحسين، فأدركته بملل، فناشدته الله ألاّ يخرج، فإنّه يخرج في غير وجه خروج، إنما يقتل نفسه، فقال: لا أرجع . </p> <p align="justify"><br>د - عمرة بنت عبد الرحمن: فقد كتبت إليه تعظّم عليه ما يريد أن يصنع، وتأمره بالطاعة ولزوم الجماعة، وتخبره أنّه إنّما يُساق إلى مصرعه. <br></p> <p align="justify">ذ - أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: يا ابن عَمِّ إن الرحم تظأرُني عليك، وما أدري كيف أنا عندك في النصيحة لك؟ قال: يا أبا بكر ما أنت ممن يُستغشُّ ولا يُتَّهمُ، فقل. قال: قد رأيت ما صنع أهل العراق بأبيك وأخيك، وأنت تريد أن تسير إليهم وهم عبيد الدنيا، فيُقاتلك من قد وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره فأُذكِّرك الله في نفسك. فقال: جزاك الله يا ابن عمِّ خيراً، ومهما يقضِ الله من أمر يكن. فقال أبو بكر: إنا لله عند الله نحتسب أبا عبد الله. </p> <p align="justify"><br>س - عبد الله بن مطيع فقد قال: إني فداك أبي وأمي! متعنا بنفسك، ولا تسرْ إلى العراق، فو الله لئن قتلك هؤلاء القوم ليتخذنا خولاً وعبيداً. </p> <p align="justify"><br>ش - سعيد بن المسيب: فقد نقل عنه الذهبي أنه قال: لو أن الحسين لم يخرج لكان خيراً له . </p> <p align="justify"><br>ك - عمرو بن سعيد بن العاص: فقد كتب إليه يقول: إني أسأل الله أن يلهمك رشدك وأن يصرفك عمّا يرديك، بلغني أنك قد اعتزمت على الشخوص إلى العراق، فإني أعيذك بالله من الشّقاق . </p> <p align="justify"><br>و - الفرزدق: فقد لقيه بالصّفاح، فسأله الحسين عمّا وراءه فقال: أنت أحب النّاس إلى النّاس، والقضاء في السماء، والسيوف مع بني أمية. وفي خبر آخر قال: قلت له: يخذلونك، لا تذهبْ إليهم فلم يطعني. </p> </strong></font><p align="justify"><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong><br><font color="#0000cc">هذه أقوال الصّحابة والتّابعين في موقفهم من خروج الحسين،</font> وهذه فلسفتهم في هذه القضية، الهامّة؛ فهم لم يبايعوا يزيد لأنّهم يرونه أفضل من غيره من الصّحابة والتّابعين، ولكنهم فعلوا ذلك درءاً لمفسدة التّفرق والاختلاف بين المسلمين، ودليل ذلك ما رواه خليفة بن خياط وابن سعد، عن داود بن عبد الله الأودي، عن حميد بن عبد الرحمن قال: دخلنا على رجل من أصحاب رسول الله -صلى اله عليه وسلم- حين استخلف يزيد بن معاوية، فقال: أتقولون إن يزيد ليس بخير أمة محمد، لا أفقه منها فقهاً، ولا أعظمها فيها شرفاً؟ قلنا. نعم. قال: وأنا أقول ذلك، ولكن - والله - لأن تجتمع أمة محمد أحب إليَّ من أن تفترق. أرأيتم باباً لو دخل فيه أمة محمد وسعهم، أكان يعجز عن رجل واحد لو دخل فيه؟ قلنا: لا. قال: أرأيتم لو أن أمّة محمد قال كل رجل منهم: لا أهريق دم أخي، ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذلك ما أقول لكم. ومن الملاحظ إجماع كل من نصح الحسين - حتى مَن لم ير بأساً برفضه البيعة - على ألاّ يخرج للعراق، ولا يثق في أهل الكوفة، فقد كتب إليه المسور بن مخرمة -رضي الله عنه- بألاّ يغتر بكتب أهل العراق، ونصحه بألاّ يبرح الحرم فإن كانت لهم حاجة فسيضربون إليه آباط الإبل حتى يوافوه فيخرج في قوة وعدة. ومما يلفت الانتباه - زيادة على إجماع الناصحين للحسين على خيانة أهل الكوفة ووجوب عدم الثقة بوعودهم - كذلك يلفت الانتباه إجماعهم في توقعهم لمقتل الحسين كما يبدو ذلك من أسفهم عليه وكلمات التوديع له. وما ذلك إلاّ دليل على معرفة أولئك الناصحين من العلماء بالأوضاع، ووعيهم لما سبق من أحداث جرت إبان الفتنة بين علي ومعاوية، عرفوا من خلالها الدوافع والأهواء التي تدفع ببعض الأقوام للاستفادة من إثارة الإحن ودوام الفتن.</strong></font></p> <p><br></p><p><br></p><p><font color="#0000ff"><br></font> </p><div align="center"><a class="btn btn-primary" style="color:#fff;" href="/Article/index/7063"> التالي:: موقف يزيد من أحداث الكوفة </a> </a></div> <p></p>
التعليقات