تقديس أضرحة الأئمة وزيارة قبر الحسين -رضي الله عنه- عند الشيعة(12/10)
مدير الموقع
الإثنين 6 ديسمبر 2010 م
<p align="left"><strong><font color="#ff0000" size="3" face="Simplified Arabic">د. علي الصلابي</font></strong></p> <p align="justify"><strong><font size="3" face="Simplified Arabic">بالغ الشيعة في تعظيم مراقد الأئمة، ومنحوها من القداسة والشرف ما لم تحظ به الكعبة المشرفة والمدينة المنورة، فقد نسبوا زوراً وبهتاناً إلى علي بن الحسين أنه قال: اتخذ الله أرض كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يخلق الله أرض الكعبة، ويتخذها حرماً بأربعة وعشرين ألف عام، وقدّسها وبارك عليها، فما زالت قبل خلق الله الخلق ـ مقدسة مباركة، ولا تزال كذلك حتى يجعلها الله أفضل أرض الجنة، وأفضل منزل ومسكن يسكن فيه أولياؤه في الجنة.</font></strong></p><strong><font size="3" face="Simplified Arabic"> <p align="justify"><br><font color="#0000ff">كما نسبوا إلى جعفر الصادق -وهو بريء مما نسبوا إليه-:</font> أن أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بُني بيت الله على ظهري يأتيني الناس من كل فج عميق، وجُعلت حرم الله وأمنه، فأوحى الله إليها: أن كفّي وقرّي ما فضل ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلاّ بمنزلة الإبرة غرست في البحر فحملت من ماء البحر، ولولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا ما تضمنه أرض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقري واستقري وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلاّ سخت بك، وهويت بك في نار جهنم.</p> <p align="justify"><br>وهذه البقعة بالطبع لم تنل ما نالت إلاّ بكونها في معتقدهم مدفن الحسين -رضي الله عنه- وقد جرت على ألسنة الشعراء وأقلام الكتاب من بعد الواقعة وإلى يومنا هذا المقارنة بينها وبين الكعبة، وتفننوا بمختلف أساليب النثر والنظم في إثبات فضلها وقداستها وشرفها واستطالة أرضها على جميع الأقطار بالفضل والشرف، وهذه الأرض المباركة لم تنل هذا الشرف العظيم في الإسلام إلاّ بالحسين -رضي الله عنه- كما نص عليه الحديث: وزادها في تواضعها وشكرها لله بالحسين (ع) وأصحابه، وبناء على غلوهم واعتقادهم في الأئمة ـ والتي قد مرّ بيان معتقدهم في ذلك في كتابي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ـ ولأجل ربط الناس بأضرحتهم ومشاهدهم، وضعوا الفضائل الكبيرة والأجور الكثيرة لمن زار تلك المشاهد، ومع الكثرة الكاثرة من النصوص في هذا الجانب والتي تتفاوت فيها الأجور والمقارنة بين زيارة كربلاء والحج والعمرة لبيت الله الحرام، فإنني سأقتصر على نصّين فقط لاحتوائهما على معظم تلك النصوص، وتصوير مدى الكذب والافتراء عند القوم، واستخفافهم بعقول أتباعهم، وجرأتهم على الله -عز وجل- فيما نسبوه إلى أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: لو يعلم الناس ما في زيارة الحسين عليه السلام من الفضل لماتوا شوقاً، وانقطعت أنفسهم عليه حسرات. قلت: وما فيه؟ قال من زاره تشوّقاً إليه كتب الله له ألف حجة متقبلة وألف عمرة مبرورة، وأجر ألف شهيد من شهداء بدر، وأجر ألف صائم، وثواب ألف صدقة مقبولة، وثواب ألف نسخة أريد بها وجه الله، ولم يزل محفوظاً سنته من كل آفة أهونها الشيطان، وُكّل به ملك كريم يحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله وفوق رأسه وتحت قدمه، فإن مات من سنته حضرته ملائكة الرحمن يحضرون غسله وأكفانه والاستغفار له، ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار، ويُفسح له في قبره مد بصره، ويؤمنه الله من ضغطة القبر، ومن منكر ونكير يروعانه، ويُفتح له باب إلى الجنة ويعطى كتابه بيمينه، ويعطى له يوم القيامة نور يضيء لنوره ما بين المشرق والمغرب، وينادي منادٍ هذا من زوّار الحسين شوقاً إليه، فلا يبقى أحد يوم القيامة إلاّ تمنى يومئذ أنه كان من زوّار الحسين عليه السلام. وقد سوّغ هذه المبالغات أحد أئمتهم بذكر فضائلهم، وما أعطوا من صفات فوق مستوى البشر فقال: إن هذا ليس بكثير على من جعله الله إماماً للمؤمنين، وله خلق السماوات والأرضين، وجعله صراطه وسبيله وعينه ودليله وبابه الذي يؤتي منه، وجعله المتصل بينه وبين عباده من رسل وأنبياء وحجج وأولياء، هذا مع أن مقابرهم رضي الله عنهم فيها أيضاً إنفاق أموال ورجاء آمال وأشخاص أبدان وهجران أوطان وتحمل مشاق، وتجديد ميثاق، وشهود شعائر وحضور مشاعر. ومبالغة في تقديس تلك القبور جعلوا لها مناسك خاصة بها، وهذه المناسك ليست خاصة بقبر الحسين فقط، بل إنها عامة بجميع مشاهد أئمتهم، وقد قال آغا بزرك الطهراني أحد شيوخ الشيعة: إن ما صنفه شيوخهم في المزار، ومناسكه قد بلغ ستين كتاباً، وإليك منسكاً من تلك المناسك التي يؤدونها عند المشاهد باختصار: قال الصادق عليه السلام: إذا أردت المسير إلى قبر الحسين عليه السلام فصُم يوم الأربعاء والخميس والجمعة، فإذا أردت الخروج فاجمع أهلك وولدك وادعُ بدعاء السفر، واغتسل قبل خروجك، وقلْ حين تغتسل كذا، وكذا، فإذا خرجت فقل كذا وكذا، ولا تدّهن ولا تكتحل حتى تأتي الفرات، وأقِلّ من الكلام والمزاح، وأكثرْ من ذكر الله تعالى، وإياك والمزاح والخصومة، فإذا كنت راكباً أو ماشياً.. فإذا خفت شيئاً فقلْ.. فإذا أتيت الفرات فقلْ قبل أن تعبره... ثم اعبر الفرات.. ثم تفصيل إلى أن يقول واصنع هذه المناسك:.. ثم ضع خدك على القبر (قبر علي بن الحسين) وقل:.. ثم تدور من خلف الحسين عليه السلام إلى عند رأسه وصلّ عند رأسه ركعتين.. ثم تنكب على القبر وتقول.. ثم تخرج من السقيفة، وتقف بحذاء قبور الشهداء وتومئ إليهم أجمعين، إلى غير ذلك من تفاصيل لبعض ما يفعلون عند المشاهد من طواف بها واستقبال لها حال الصلاة وغير ذلك، آثرت تركها اختصاراً، وانظر بعضها في أصول مذهب الشيعة، كما أن الشيعة تعتقد أن بناء الأضرحة والقباب على مراقد الأنبياء والأئمة ـ والشخصيات الإسلامية من أفضل المقربات لله سبحانه وتعالى، <font color="#ff0000">وإليك الرد على كل من:</font></p> <p align="justify"><br><font color="#0000cc">1 ـ قدسية كربلاء: </font><br>لا يوجد نص في كتاب الله ولا صح شيء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين أو علماء الأمة في خير القرون يدل على قدسية كربلاء أو الفضائل المزعومة لها، وغيرها كالنجف وما يسمى بالعتبات المقدسة، وأما الذي جاء في كتاب الله وسنة رسوله من قدسية وفضائل فهي، المسجد الحرام، والمشاعر المقدسة داخل المسجد الحرام وخارجه، كالكعبة، ومقام إبراهيم، بئر زمزم، الصفا والمروة، منى، رحاب عرفات، رحاب مزدلفة والمسجد النبوي وفضل الصلاة فيه، وفضل ما بين بيت الرسول ومنبره، وجواز شدّ الرحال إليه، وإلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى، وفضائل المدينة، وفضائل مسجد قباء، ودعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بالبركة للمدينة، وجود البركة في صاع أهل المدينة والبقاء بها، تحريم الرسول -صلى الله عليه وسلم- المدينة وتحريم صيدها وشجرها، فضل وادي العقيق وبركته وفضائل المسجد الأقصى وبركاته، فضل الصلاة فيه، جواز شد الرحال إليه، وجود البركة حوله، وأنه ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم، وجاءت الآيات والأحاديث في فضل سائر المساجد وبيوت الله عز وجل، فبيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كون المساجد بيوت الله في الأرض، وفضل السعي إلى المساجد وملازمتها وفضل بنائها..الخ. أما ما نُسب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قدسية كربلاء وفضائلها فإنه لا يصح في ذلك، وهذا يجري حكمه على البلاد والمقابر والقبور والأضرحة مما يزعم الشيعة أو جهّال السنة.</p> <p align="justify"><br><font color="#0000cc">2 ـ هدي الإسلام في زيارة القبور: </font><br>كما هو في سائر شرائع الإسلام أنها تكون في غاية من الاعتدال والسماحة، وصادرة عن حكمة بالغة تضمن لمن عمل بها على بصيرة الفوز، والنجاح، والسعادة، دون أن يتعرض بسببها لأي نوع من أنواع الضلال والشقاء في الدنيا والآخرة، كذلك كانت شرعية زيارة القبور في الإسلام حينما كان الناس حدثاء عهد بالكفر والشرك وعبادة غير الله نهاهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الزيارة حتى يكون هناك برزخ فاصل بين العهدين: عهد الشرك وعهد التوحيد، وعهد الجاهلية، وعهد الإسلام حتى يذهب ما في النفوس من الالتفات إلى الأرض وما عليها ممّا يقدِّسه الناس، وعهد السموّ الروحي والصفاء القلبي والذهني الذي لا يبقى معه التفات إلى غير الله عز وجل، وفعلاًُ حينما حصل ذلك، خاطب النبي -صلى الله عليه وسلم- أمته قائلاً: كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكر الموت. وفي رواية: فإن في زيارتها تذكرة، وفي أخرى: فإنها تذكر الآخرة، وفي ثالثة: فزوروها ولتزدكم زيارتها خيراً، وفي رواية رابعة: فإن فيها عبرة، ومن حديث أنس رضي الله عنه: ثم بدا لي أنها تُرقّ القلب، وتُدمع العين، وتُذكر الموت، والدار الآخرة، وتزهِّد في الدنيا، وترق القلب وتدمع العين. وينبغي أن يحرص الزائر أن تزيده زيارته للمقابر خيراً، وهذا كله فيما يخص الزائر، وأما الأموات فإن لهم فيها نصيباً أيضاً؛ فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا زارهم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلما كان ليلتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، وأتاكم ما توعدون غداً مؤجَّلون، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون. اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد. ففي هذه الأحاديث بيان أن من مقاصد الزيارة وعللها السلام على الأموات والدعاء والاستغفار لهم، قال الإمام الصنعاني ـ في سبل السلام ـ بعد ما شرح أحاديث الإذن بالزيارة: والكل دالّ على مشروعية زيارة القبور وبيان الحكمة فيها وأنها للاعتبار.. فإذا خلت من هذه لم تكن مرادة شرعاً. فهذه هي زيارة القبور في هدي الإسلام كما علّمهم إيّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمن أتى بها على هذا الوجه ولهذه الغاية ظفر بالأجر والفائدة المترتبة عليها، ومن زارها لغير ذلك فهي ردٌّ عليه. ثم إنها إما أن تكون بدعية، وإما أن تكون شركية بحسب ما يحصل فيها من أعمال، ويقارنها من اعتقاد، وقصد ذلك هو هدي الإسلام في زيارة القبور، وتلك هي أهداف وغايات الزيارة واضحة ناصعة بعيدة عن كل ذريعة تؤدي إلى الشرك بأربابها والغلوّ في أصحابها، وقد جاءت بعض القيود التي تسدّ الثغرات الموصلة إلى ذلك.</p> <p align="justify"><br><font color="#009900">القيد الأول:</font> ألاّ تُتّخذ أعياداً، قال صلى الله عليه وسلم: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم". فليس من هدي الإسلام تعيين يوم معين من سنة أو شهر، أو أسبوع يُخصص لزيارة القبور كما هو شأن بعض الناس.<br></p> <p align="justify"><font color="#009900">القيد الثاني: </font>ألا تُشَدّ إليها الرحال، فعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ولا تشدّ الرحال إلاّ إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام ومسجد الأقصى ومسجدي". فهذا النهي عن شدّ الرحال إلى غير المساجد الثلاثة مقصود به أن يشدّ رحله مسافراً إلى مكان بعينه لعبادة الله تعالى فيه، ولم يثبت أن أحداً من الصحابة أو التابعين، أو علماء أتباع التابعين سافر إلى قبر، أو مشهد لمجرد الزيارة، ولم يصرح أحد منهم باستحباب ذلك العمل، وقال العلامة صديق حسن خان في كتابه "السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم ابن الحجاج"، وبعد إيراد مختلف الأقوال ومناقشتها قال: وأما السفر لغير زيارة القبور كما تقدم نظائره، فقد ثبت بأدلة صحيحة، ووقع في عصره صلى الله عليه وسلم، وقرره النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا سبيل إلى المنع منه والنهي عنه، بخلاف السفر إلى زيارة القبور فإنه لم يقع في زمنه، ولم يقره أحد من أصحابه، ولم يشرْ في حديث واحد إلى فعله واختياره، ولم يشرعه لأحد من أمته لا قولاً ولا فعلاً.</p> <p align="justify"><br><font color="#ff0000">3 ـ البناء على القبور واتخاذها مساجد: <br></font>نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمته عن البناء على القبور وتعظيمها بأي نوع من أنواع التعظيم، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا يفعل ذلك إلاّ شرار الخلق عند الله تعالى، فعن جندب بن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يموت بخمس يقول:... "ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك". وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يجصص القبر وأن يُقعد عليه ويُبنى عليه". وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد". ففي هذه الأحاديث التي مرت النهي الصريح عن أي نوع من أنواع التعظيم للقبور، ومن ذلك النهي عن اتخاذها مساجد، والنهي عن مجرد البناء عليها، وعن تجصيصها، والكتابة عليها، وقد توجه النهي أول ما توجه إلى قبور الأنبياء والصالحين، لماذا؟ لأنها هي التي يُخشى الغلوّ في أربابها عكس قبور سائر الناس، والفتنة لها أعظم من غيرها. وهذا هو الواقع المشاهد فإنه ما من مشهد إلاّ ويُزعم أنه بُني على ولي صالح، ذي مناقب وكرامات عظيمة يُرجى نفعه، ويُخاف انتقامه، أو يُزعم أنه على نبي من أنبياء الله كما ظهر ذلك تخميناً في أماكن كثيرة من بلاد الله، ولكثير من الأنبياء مع تصريح العلماء أنه لا يُعلم على التحقيق واليقين إلاّ قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وزاد بعضهم قبر الخليل عليه في الموضع المشهور باسمه في فلسطين. وقد قال النووي في تعليقه على حديث رسول الله السابق: قال العلماء: إنما نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن اتخاذ قبره مسجداً خوفاً من المبالغة في تعظيمه، والافتتان به، فربما أدّى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية، ولما احتاجت الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين كثر المسلمون، وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه، ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها، مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بنوا على القبر حيطاناً مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد، فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر، ولهذا قال في الحديث. ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خُشي أن يُتّخذ مسجداً. والله أعلم بالصواب، وقد أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بتسوية القبور المشرفة مع قرن ذلك بطمس التماثيل، فعن أبي الهيّاج الأسدي ـ رحمه الله ـ قال: قال لي علي بن أبي طالب: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألاّ تدع تمثالاً إلاّ طمسته ولا قبراً مشرفاً إلاّ سوّيته. فهذا أمير المؤمنين -علي رضي الله عنه- يبعث رئيس شرطته أبا الهياج الأسدي لطمس القبور، كما بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أي أنه يطبق ما عرفه وفهمه من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك. وقد صرّح العلماء بخلوّ القرون المفضلة من وجود المشاهد. قال ابن تيمية وهو يتكلم عن مشهد رأس الحسين رضي الله عنه:... دع خلافة بني العباس في أوائلها، وفي حال استقامتها فإنهم حينئذ في قوتهم وعنفوانهم، ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم من ذلك شيء في بلاد الإسلام، لا في الحجاز، ولا اليمن، ولا الشام والعراق، ولا مصر، ولا خراسان، ولا المغرب، ولم يكن قد أحدث مشهد لا على قبر نبي، ولا صاحب، ولا من أهل البيت، ولا صالح أصلاً، بل عامة هذه المشاهد محدثة، بعد ذلك، وكان ظهورها وانتشارها حين ضعفت خلافة بني العباس، وتفرقت الأمة، وكثر فيهم الزنادقة والملبسون على المسلمين، وفشت فيهم كلمة أهل البدع، وذلك في دولة المقتدر في أواخر المائة الثالثة؛ فإنه إذ ذاك ظهرت القرامطة العبيدية القداحية بأرض المغرب، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى أرض مصر، وقريباً من ذلك ظهر بنو بويه في كثير منهم زندقة وبدع قوية، وفي دولتهم قويَ بنو القداح بأرض مصر، وفي دولتهم أظهر المشهد المنسوب إلى علي -رضي الله عنه- بناحية النجف، وإلاّ فقبل ذلك لم يكن أحد يقول إن قبر علي هناك، وإنما دفُن علي -رضي الله عنه- بقصر الإمارة بالكوفة، وإنما ذكروا أن بعضهم حكى عن الرشيد أنه جاء إلى بقعة هناك، وجعل يعتذر إلى المدفون فيها، فقالوا: إنه علي، وإنه اعتذر إليه مما فعل بولده، فقالوا: هذا قبر علي، وقد قال قوم إنه قبر المغيرة بن شعبة.. ويقول الذهبي في ترجمة عضد الدولة البويهي: وكان شيعياً جلداً أظهر بالنجف قبراً زعم أنه قبر الإمام علي، وبنى عليه المشهد، وأقام شعار الرفض ومأتم عاشوراء والاعتزال ثم قال: وبه ختم ترجمة عضد الدولة: قلت: فنحمد الله على العافية؛ فلقد جرى على الإسلام في المائة الرابعة بلاء شديد بالدولة العبيدية بالمغرب، وبالدولة البويهية بالمشرق، وبالأعراب القرامطة فالأمر لله تعالى. وقال ابن كثير في حوادث سنة 347هـ: وقد امتلأت البلاد رفضاً وسبّاً للصحابة من بني بويه وبني حمدان والفاطميين، وكل ملوك البلاد مصراً وشاماً وعراقاً وخراسان، وغير ذلك من البلاد كانوا رفضاً وكذلك الحجاز وغيره، وغالب بلاد المغرب، وكثر السب والتكفير منهم للصحابة. ويؤيده كذلك ما ذكره السمهودي ـ رحمه الله ـ في كتابه وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى، وهو يتحدث عن قبر فاطمة -رضي الله عنها- قال: وإنما أوجب عدم العلم بعين قبر فاطمة -رضي الله عنها- وغيرها من السلف ما كانوا عليه من عدم البناء على القبور وتجصيصها. وقال الشافعي - رحمه الله-: ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة، قال الراوي عن طاووس: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تُبنى القبور أو تُجصص". قال الشافعي: وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يُبنى فيها فلم أرَ الفقهاء يعيبون ذلك. <br>إن الحقيقة التاريخية تقول إن القرون الثلاثة المفضلة مضت، وليس هناك قبور معظمة، ولا مشاهد أو قباب، ولا غيرها من مظاهر القبورية، ولا شيء من طقوس ومراسيم العبادات القبورية، وما حاول فعله الشيعة من ذلك فقد جُوبه بردع قوي من خلفاء المسلمين وأمرائهم، كأبي جعفر المنصور العباسي، وهارون الرشيد.</p> </font></strong><p align="left"><strong><font size="3" face="Simplified Arabic"><font color="#0066ff">الإسلام اليوم</font></font></strong></p> <p><br></p><p><br></p><p><font color="#0000ff"><br></font> </p><div align="center"><a class="btn btn-primary" style="color:#fff;" href="/Article/index/7072"> التالي: خروج الحسين -رضي الله عنه- في الميزان الشرعي </a> <a class="btn btn-primary" style="color:#fff;" href="/Article/index/7070"> السابق: التحقيق في مكان رأس الحسين رضي الله عنه </a></div> <p></p>
التعليقات