بعض الرؤى في الحسين رضي الله عنه، وإخبار الرسول بمقتله، وانتقام الله من قتلته(12/12)
مدير الموقع
الإثنين 6 ديسمبر 2010 م
<p align="left"><font color="#ff0000" size="3" face="Simplified Arabic"><strong>د. علي الصلابي</strong></font></p> <p align="justify"><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong>ومن هذه الرؤى المتعلقة بقصة مقتل الحسين -رضي الله عنه- عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام بنصف النهار أشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه، قلت: يا رسول الله ما هذا؟ قال: دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبعه منذ اليوم. قال عمار راوي ذلك الحديث: فحفظنا ذلك، فوجدناه قُتِل ذلك اليوم، وهذا سنده صحيح عن ابن عباس، وروى ابن سعد بأسانيده: قالوا: وأخذ الحسين طريق العُذيب حتى نزل قصر أبي مقاتل، فخفق خفقة، ثم استرجع، وقال: رأيت كأن فارساً يُسايرنا، ويقول: القوم يسيرون، والمنايا تسري إليهم، وقال بعض الناس إن الحسين -رضي الله عنه- بنى خروجه على يزيد على رؤية رآها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأن رسول الله أمره بأمر وهو ماضٍ له، وقد اعتمد على الرؤى قوم في أخذهم الأحكام. ويقول الشاطبي: وأضعف هؤلاء احتجاجاً قوم استندوا في أخذ الأعمال إلى المقامات، وأقبلوا وأعرضوا بسببها فيقولون: رأينا فلاناً الرجل الصالح، فقال لنا: اتركوا كذا واعملوا كذا، ويتفق مثل هذا كثيراً للمترسمين برسم التصوف، وربما قال بعضهم: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في النوم، فقال لي كذا وأمرني بكذا، فيعمل بها ويترك بها، معرضاً عن الحدود الموضوعة في الشريعة، وهو خطأ؛ لأن الرؤيا من غير الأنبياء لا يحكم بها شرعاً على حال إلاَّ أن تُعرض على ما في أيدينا من الأحكام الشرعية فإن سوغتها عُمل بمقتضاها، وإلاَّ وجب تركها والإعراض عنها، وإنما فائدتها البشارة أو النذارة خاصة، وأما استفادة الأحكام فلا. وعليه فلا عصمة فيما يراه النائم، بل لا بد من عرضه على الشرع، فإن وافقه فالحكم بما استقر؛ لأن الأحكام ليست موقوفة على ما يرى من المنامات، وإن خالف رد مهما كان حال الرائي أو المرئي، ويحكم على تلك الرؤيا بأنها حلم من الشيطان، وأنها كاذبة وأضغاث أحلام. ولكن يبقى أن يُقال: ما فائدة الرؤيا الموافقة للشريعة، إذا كان الحكم بما استقر عليه الشرع؟ فائدتها التنبيه والبشرى كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لم يبق من النبوة إلاّ المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة، فإن الرجل الصالح قد يرى في النوم ما يؤنسه أو يزعجه فيكون ذلك دافعاً له إلى فعل مطلوب أو ترك محظور".</strong></font></p><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong> <p align="justify"><br><font color="#ff0000"> إخبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- بمقتل الحسين رضي الله عنه: <br></font>عن أم سلمة قالت: "كان جبريل عند النبي -صلى الله عليه وسلم والحسين معي، فبكى الحسين، فتركته فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فدنا من النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال جبريل: أتحبه يا محمد؟ فقال: نعم. قال: إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يُقتل بها، فأراه إياها، فإذا الأرض يُقال لها كربلاء"، وقد وقع الأمر كذلك بعد مضي سنين طويلة، وهذه معجزة من معجزاته -صلى الله عليه وسلم- الدالة على نبوته، وأنه رسول الله حقاً وصدقاً، فقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك عن طريق الوحي.</p> <p align="justify"><br><font color="#ff0000">سابعاً: انتقام الله من قتلة الحسين رضي الله عنه: </font><br>لقد انتقم الله للحسين الشهيد -رضي الله عنه- من قاتليه وعلى رأسهم عبيد الله بن زياد، ويزيد بن معاوية، وكل من شارك في قتله لم يَسلم، أما عبيد الله بن زياد فقد قتله إبراهيم بن الأشتر وحزّ رأسه وأرسل به إلى المختار بن أبي عبيد الله الثقفي يقول ابن عبد البر: قُتل الحسين ـ رضي الله عنه ـ يوم الأحد لعشر مضين من المحرم يوم عاشوراء سنة إحدى وستين...وقضي الله ـ عز وجل ـ أن قتل عبيد الله بن زياد يوم عاشوراء سنة سبع وستين، قتله إبراهيم بن الأشتر في الحرب، وبعث برأسه إلى المختار، وبعث به المختار إلى ابن الزبير، وبعث به ابن الزبير إلى علي بن الحسين، وقد صحَّ من حديث عمار بن عمير قال: جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه فأتيناهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت، فإذا حية تخلل الرؤوس حتى دخلت منخر عبيد الله، فمكثت هُنيهة ثم خرجت وغابت. ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثاً. أما يزيد بن معاوية فقد مقته الناس وأبغضوه لمقتل الحسين، وثار عليه غير واحد، وثار عليه أهل المدينة النبوية الشريفة، فارتكب جريمة أخرى هي موقعة الحرة بالمدينة فلم يمهله الله تعالى، وكانت دولته أقل من أربع سنين، وجاء عن أبي رجاء العطاردي قال: لا تسبوا علياً ولا أحداً من أهل البيت، كان لنا دار من بلهجيم قال: ألم تروا إلى هذا الفاسق الحسين بن علي قتله الله؟ فرماه الله بكوكبين في عينيه فطمس بصره. قال ابن كثير: وأما ما روي من الأحاديث والفتن التي أصابت من قتله فأكثرها صحيح، فإنه قلّ من نجا من أولئك الذين قتلوه من آفة أو عاهة في الدنيا، فلم يخرج منها حتى أُصيب بمرض، وأكثرهم أصابه الجنون.<br></p> <p align="justify"><font color="#ff0000">القوى المضادة للإسلام ومصيبة كربلاء: <br></font>نجحت القوى المضادة لدولة الإسلام في حدوث واقعة كربلاء، ثم وجدوا فيها الفرصة السانحة لتمزيق الجماعة الإسلامية، وتفريق الكلمة بتحويل النزاع بين المسلمين، فقد كانت الكوفة مجمع شذاذ الناس وأشرارهم مع خيارهم فقد أتى إليها الصحابة، كما أتى النصارى واليهود، وأقبلت القبائل العربية، كما أقبل الموالي وانتشرت الزندقة والسحر، وانتشرت الحلقات المتعارضة والمجامع المتنافرة، وشرع اليهود بالكوفة في نشر التلمود، والنصارى كانوا ينادون بتجسيد الألوهية، فأطلت رؤوس مجامعهم السرية مع المراكز المتطفلة الخفية، واستغل دم الحسين واعتبروه ذا قيمة في التضحية تشبه دم المسيح عند النصارى، وتسلل إلى نفوس من أسلم من الفرس من هذا الطريق يستثيرونهم ضد الدولة بحجة أن الحسين كان قد تزوج جيهان شاه ابنة يزدجرد أم علي بن الحسين، فارتفعوا بهذه الفاجعة عن مصائب البشر الاعتيادية، فشبهوها بمصائب الأنبياء، وتسلّلت من خلالها أفكار أهل الكتاب بسهولة.. واعتبروا أن الحسين لم يتألم لما أصاب أهله ونفسه من القتل والإيذاء، بل إنه تألم لأن أمة جدّه المسؤول عن هدايتها بصفته الإمام والحجة ضلت بحربها إياه، وهذا يذكرنا بفكرة النصارى عن صلب المسيح وتعذيبه، فكان من السهل بذر هذه الفكرة من قبل أهل الكتاب في نفس من أسلم حديثاً، فأقبل الموالي على التشيع، ورأوا في الحسين إنساناً روحانياً قدر له الله منذ الأزل أن يفتدي الإسلام بدمه، ويحفظه بتضحية نفسه فقرن بدور المسيح المخلص... وكان لمستشاري يزيد من النصارى مثل سرجون أثر في تلك الأحاديث الدامية، وما ترتب عليها من نكبات ومصائب.</p> <p align="justify"><br><font color="#ff0000">استشهاد الحسين -رضي الله عنه- نقطة تحول في التاريخ الفكري والعقدي للتشيع: <br></font>يعتبر استشهاد الحسين -رضي الله عنه- نقطة تحول في التاريخ الفكري والعقدي للتشيع؛ إذ لم يقتصر أثر هذه الحادثة الأليمة على إذكاء التشيع في نفوس الشيعة وتوحيد صفوفهم، بل ترجع أهمية هذه الحادثة إلى أن التشيع كان قبل مقتل الحسين مجرد رأي سياسي لم يصل إلى عقائد الشيعة، فلما قُتل الحسين امتزج التشيع بدمائهم، وتغلغل في أعماق قلوبهم، وأصبح عقيدة راسخة في نفوسهم. لقد نظر الشيعة إلى استشهاد الحسين على أنه أهم من استشهاد علي بن أبي طالب نفسه؛ لأن الحسين بن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اعتنق الفرس مبدأ التشيع، وبذلك تمركزت العقيدة الشيعية حول الحسين وسلالته دون الحسن وذريته، وإلى اعتناق مبدأ حق الحسين بن علي الإلهي وذريته في الخلافة، وأن الإمامة بالنص لا بالاختيار، بل اعتبر الشيعة سفك دم الحسين في سهل كربلاء ذا قيمة في التضحية تشبه سفك دم المسيح المزعومة عند المسيحية، ولم يقتصر التمايز الفكري والعقدي بين أهل السنة والشيعة بعد مقتل الحسين، بل إن الشيعة أنفسهم قد أثر فيهم مصرع الحسين، وانقسموا على أنفسهم، وافترقوا بعد مقتله إلى فرق، ولكي يكون لمقتل الحسين أهمية خاصة عند الشيعة فقد أكدوا على أهمية يوم عاشوراء، وتفننوا في إظهار الحزن في ذلك اليوم، كما ابتدعوا لفضائل ذلك اليوم من الأحاديث والآثار ما لا يقع عليه الحصر، وقد جعلوا البكاء على الحسين يوم عاشوراء يمسح الذنوب ويغفر ما تقدم منها، مما جعل الاحتفال بيوم عاشوراء واجباً دينياً يقوم به الحكام والمحكومون على السواء، ويبالغون في إظهار عواطفهم المذهبية في هذا اليوم الحزين، لقد أراد واضعو التشيع وعقائده التأكيد على يوم عاشوراء، ويكون التشيع عقيدة ملتهبة في نفوس أتباعها، وكانت دولهم تهتم بهذا الأمر، كالدولة البويهية بالعراق والدولة العبيدية الفاطمية بمصر، وقد تعرضت لعقائد الشيعة بنوع من التفصيل في كتابي عن أمير المؤممين علي رضي الله عنه.</p> </strong></font><p align="justify"><font size="3" face="Simplified Arabic"><strong><br><font color="#ff0000"> من دعاء الحسين رضي الله عنه: <br></font>دعا الحسين -رضي الله عنه- بهذا الدعاء قبل المعركة: الله أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة، كم من همّ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك، رغبة مني إليك عمّن سواك، ففرجته وكشفته، فأنت ولي كل نعمة، وصاحب كل حسنة، ومنتهى كل رغبة. <br>إن الحسين رضي الله عنه يعلمنا حسن الدعاء، والالتجاء إلى الله تعالى، والثقة به، والتوكل عليه، والرغبة إليه؛ فجدّه صلى الله عليه وسلم قال: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء"، وقد تعلم الحسين -رضي الله عنه- من تعاليم جدّه صلى الله عليه وسلم، بأن الاستعانة لا تكون إلاّ بالله والشكوى لا تكون إلاّ إليه سبحانه، فلا يستعين المرء ولا يشكو إلاّ إلى لله وحده دون غيره من نبي أو إمام أو صالح.. ويعلمنا الحسين -رضي الله عنه- أن الدعاء لا يُصرف إلاّ لله وحده دون سواه، فهذا الحسين -رضي الله عنه- لم يدعُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أباه علياً، وهو في هذا الموقف العصيب الذي يودع فيه الحياة، بل دعا الله وحده وتوسل إليه فقط، وفي هذا يعلمنا الحسين -رضي الله عنه- منهجاً يجب ألاّ نحيد عنه، وهو عند الدعاء لحاجة المرء أو طلب رزق أو شفاء مريض أو غيرها عليه أن يدعو الله وحده، ولا يشرك في دعائه أحداً كائناً من كان هذا المدعو، فمن أحب الحسين -رضي الله عنه- فعليه أن يدعو الله كما دعا الحسين رضي الله عنه، ولا يجوز أن يقول: يا حسين أو يا علي، فإن دعاء المخلوقين انحراف عظيم عن كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهدي العلماء الربانيين، وعلى رأسهم أئمة أهل البيت الأطهار.<br>قال الشاعر:</strong></font></p> <p align="center"><font color="#0000cc" size="3" face="Simplified Arabic"><strong>وأفـــنــيةُ المــلـــوكِ مـحـــجبــــاتٌ  وبــابُ اللهِ مــــــبـــذولُ الـــفِــــــنَاءِ<br>فــمــا أرجــو سواهُ لكشــفِ ضـرّي  ولا أفـــزع إلـــى غيــــرِ الــدُّعـــاءِ</strong></font></p> <p align="center"><strong><font color="#0000cc" size="3" face="Simplified Arabic"></font></strong> </p> <p align="left"><strong><font color="#0000cc" size="3" face="Simplified Arabic">الإسلام اليوم</font></strong></p> <p><br></p><p><br></p><p><font color="#0000ff"><br></font> <a class="btn btn-primary" style="color:#fff;" href="/Article/index/7072"> السابق: خروج الحسين -رضي الله عنه- في الميزان الشرعي </a></div> <p></p>
التعليقات