المدخل المنهجي في التعامل مع جيل الصحابة [3-4]
مدير الموقع
الأحد 25 مارس 2012 م
<p align="right" class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-ALIGN: left"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: red; FONT-SIZE: 12pt">سلطان بن عبد الله العمري</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: red; FONT-SIZE: 14pt">تابع الأدلة العقلية والحالية:</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: blue; FONT-SIZE: 14pt">الدليل الثاني:</span><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 14pt"> </span><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">الحال السلوكي: لعل من الأمور الملفتة في التاريخ أن مجمل تاريخ الصحابة نقل إلينا بشكل مفصل، بحيث إنا نستطيع من خلاله أن نتعرف على تفاصيل حياتهم ونقف على جزيئات أحوالهم، وهذا يسهل لنا مهمة التدليل على تفوقهم على غيرهم من الأجيال في صدق الإيمان بقيم الدين وعمق الإدراك لأحكامه ومقاصده، فالناظر في أحوال الصحابة وما كانوا عليه من العبادة والذكر والجهاد وقوة الإيمان والحب للرسول -صلى الله عليه وسلم- والبذل في دينه والخضوع لأوامره والاجتهاد في طاعته، والحرص على تعلم دينه يدرك بسهولة أنه من المستبعد عقلاً أن يكون أولئك القوم ضعفاء في الإيمان بمبادئ دينهم ومن المستبعد عقلاً أن ينقلبوا على قيمه أو يتخلوا عن أصوله وشرائعه، ومن المستبعد عقلا أن يكونوا جهالاً بمقاصده وأحكامه.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">وقد نبه على قيمة هذا الدليل الخطيب البغدادي، وأكد على أنه دليل قائم بنفسه حتى ولو لم ترد النصوص الشرعية بفضائل الصحابة حيث يقول: "على أنه لو لم يرد من الله -عز وجل- ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة، وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطع على عدالتهم والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين، هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء" </span></b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 12pt">[الكفاية 49]</span><b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">وهذا الدليل اعتمده العقلاء والعظماء في الحكم على الناس، وجعلوه طريقاً يحصلون به العلم بحالهم ويبنون عليه مواقفهم من الآخرين، وممن اعتمد عليه: هرقل -ملك الروم- فإنه لما أرسل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- كتابه، استدعى من كان في بلاده من العرب، وسألهم أسئلة عديدة تتعلق بسلوك النبي وأحواله، فلما أجابوه بالصدق، اعترف بنبوته وصدقه في دعوته وقال: "لوددت أني أخلص إليه ولولا ما أنا فيه من الملك لذهبت إليه، وإن يكن ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين"، فقد استفاد هذا العاقل اللبيب علما جازما باطلاعه على أحوال النبي من غير أن يلقاه، ولا شك أن النبي أعلى قدرا من الصحابة ومن كل الخلق، ولكن غاية ما نريد الوصول إليه أنا نستطيع بالعقل أن نصل إلى العلم الجازم بعمق إيمان الصحابة بمبادئ دينهم وقيمه وقوة علمهم بالاعتماد على المسلك السلوكي لديهم.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">ونحن إذا التزمنا بالعملية الصحيحة في الاستدلال كما التزم بها ذلك اللبيب، نستطيع أن نقول بأنه من المستبعد في العقل أن الصحابة أكثرهم أو كلهم ارتدوا عن دينهم أو أنهم تخلوا عن قيمه، ونجزم بأنه من المستبعد في العقل أن يتراجعوا عن الفداءات التي قدموها بمجرد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- أو أن يضعفوا عن التمسك بأصول الإسلام وشرائعه، ومن المستبعد عقلا أن تكون مبادئ الجاهلية هي المؤثر الأول والأخير فيهم كما صور ذلك الجابري في كتابه العقل السياسي العربي.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: blue; FONT-SIZE: 14pt">الدليل الثالث:</span><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 14pt"> </span><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">التفوق في المؤهلات: العارف بحال الصحابة والمدرك لطبيعة علاقتهم بنشأة دعوة الإسلام وملابستها الحالية والزمانية سيصل إلى أن لديهم مؤهلات تجعلهم يتفوقون على غيرهم في معرفة حقيقة الإسلام ويتبوؤن مكانة عالية في ملكة الفهم والاجتهاد والغوص في أعماقه، وقد سلط ابن تيمية الأضواء على خصائص الصحابة في المؤهلات المعرفية فقال: "وللصحابة فهم في القرآن يخفى على أكثر المتأخرين كما أن لهم معرفة بأمور من السنة وأحوال الرسول لا يعرفها أكثر المتأخرين فإنهم شهدوا الرسول والتنزيل وعاينوا الرسول وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله مما يستدلون به على مرادهم ما لم يعرفه أكثر المتأخرين الذين لم يعرفوا ذلك" </span></b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 12pt">[الفتاوى 19/200]</span><b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">وتوقف الشاطبي عند تلك المؤهلات كثيرا وأخذ يبين مستنداتها وموجبات الالتزام بها في كتاب المنهجي (الموافقات)، فقد أقام هذا الكتاب على أسس علمية عديدة منها: اعتبار فهم الصحابة لزوم الأخذ به وتقديمه على غيره في التصورات الشرعية؛ لأجل أنه سعى إلى شرح ما يختص بهم من أوصاف، وفي ذلك يقول: "وأما بيان الصحابة فإن أجمعوا على ما بينوه؛ فلا إشكال في صحته أيضًا... وإن لم يجمعوا عليه؛ فهل يكون بيانهم حجة، أم لا؟ هذا فيه نظر وتفصيل، ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم في البيان من وجهين:</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">أحدهما: معرفتهم باللسان العربي؛ فإنهم عرب فصحاء، لم تتغير ألسنتهم ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم؛ فهم أعرف في فهم الكتاب والسنة من غيرهم، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان؛ صح اعتماده من هذه الجهة.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">والثاني: مباشرتهم للوقائع والنوازل، وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة؛ فهم أقعد في فهم القرائن الحالية وأعرف بأسباب التنزيل، ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب" </span></b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 12pt">[4/127]</span><b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: red; FONT-SIZE: 14pt">مستلزمات عملية:</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">بعد الانتهاء من عرض المؤكدات الشرعية على تفوقات الصحابة وتفسير الدلائل العقلية والحالية على ذلك، فإن المنهجية العلمية الصلبة تستوجب على المتمسك بها في بناء تصوراته ومفاهيمه الدينية والتاريخية أمورا عملية عديدة، ومن تلك الأمور:</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: blue; FONT-SIZE: 13pt">الأمر الأول:</span><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt"> لزوم الرجوع إلى فهم الصحابة وإلى ما كانوا عليه من حالة دينية وسلوكية، فالمنهجية العملية البناءة تؤكد على المشاريع الإصلاحية الحرص على استجلاء الصورة الحقيقة التي تمثل ما كان عليه الصحابة، وتدعوا إلى السعي في جمع كل ما نقل عنهم من آثار صحيحة، وتحث على محاولة الكشف عن الأسس العلمية التي أقاموا عليها فهمهم للنصوص الشرعية، وبنوا عليها استنباطاتهم العلمية؛ لأنه يستطيع بذلك أن يقف على النموذج الكامل لتطبيق الإسلام، وبالتالي يتفوق في عمليته الإصلاحية، وهذه النتيجة صدع بها الإمام مالك منذ زمن مبكر في مقولته الشهيرة: "لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها"، وقبل ذلك صرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن الرجوع إلى ما كان عليه الصحابة يحقق النجاة من الخطأ، وذلك حين سئل عن الفرقة الناجية فقال: </span><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: green; FONT-SIZE: 14pt">«من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي»</span><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">، وهذا يؤكد على أن الصحابة يمثلون النموذج الكامل في الحالة الدينية والعلمية الشرعية.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: blue; FONT-SIZE: 13pt">الأمر الثاني:</span><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt"> الاحتياط الشديد في نسبة الخروقات القيمية والأصولية إلى الصحابة، فالمنهجية العملية الصلبة تستوجب على الباحثين الحذر الشديد في نسبة أي أمر ينافي الصدق الإيماني التي تمتع به الصحابة أو يناقض الصلابة الدينية عندهم أو يقدح في العمق الإدراكي لديهم، وليس المراد بهذا التوصل إلى القول بعصمة الصحابة من الوقوع في المعاصي والذنوب، فهم ليسوا معصومين، وإنما المراد نسبة الأخطاء المتعلقة بأصول الإسلام وبقيمه الكبرى الواضحة.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; FONT-SIZE: 13pt">وكما أن المنهجيات الناضجة تطالب بالاحتياط الشديد في نسبة أقوال لا تتوافق مع أحوال بعض المفكرين ولا تتماشى مع الظروف المحيطة بهم، ولا تنسجم مع العقلية التي يفكر بها، فكذلك هو الحال فيما يتعلق بالصحابة لابد أن تراعى جميع التفوقات التي امتازوا بها عن غيرهم.</span></b></p> <p align="right" class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-ALIGN: left"> <b><span lang="AR-SA" style="FONT-FAMILY: Simplified Arabic; COLOR: blue; FONT-SIZE: 12pt">المصدر: المختار الإسلامي.</span></b></p> <p class="MsoNormal" dir="rtl" style="TEXT-JUSTIFY: kashida; TEXT-ALIGN: justify; TEXT-KASHIDA: 0%">  </p>
التعليقات