موقع البرهان - حب آل البيت بين الحقيقة والزيف

فؤاد الزبيدي إن مما يحز في النفس أن يعتقد بعض المنتسبين إلى البيت الهاشمي أن الرافضة أنصفوا أهل البيت دون أهل السنة، ومن نظر إلى الأخبار والآثار والتاريخ بعين البصر والبصيرة وجد الأمر على العكس من ذلك تماماً. فلم يعرف التاريخ أحداً ظلم من قِبل من يزعم محبته ونصرته كما ظلم أهل البيت من الرافضة، ففي حياتهم جادلوهم وأساءوا الأدب معهم، وخذلوهم في أشد المواطن وطأة عليهم، فكانوا بألسنتهم معهم وبسيوفهم عليهم، وجعلوا من محبة "آل البيت" صنارة يصطادون بها السذج من المسلمين، وسلماً يتسلقون عليه ليحققوا أطماعهم ورغباتهم الدنيئة، ومنفذاً يبثوا سمومهم وأفكارهم المنحرفة من خلاله! أما أهل السنة فيقرون أن لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقاً على الأمة لا يشاركهم فيه غيرهم، وأنهم يستحقون من زيادة المحبة والتوقير والموالاة ما لا يستحقه غيرهم، وأن في ذلك طاعة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن دون غلو أو مبالغة في ذلك. إنهم يحفظون لآل البيت وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم غدير خم: «أذكركم الله في أهل بيتي» [رواه مسلم، 2408]، وأولهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد أحبهم وأكرمهم ودعا الناس إلى إكرامهم ومحبتهم، روى البخاري بإسناده إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: «ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته» [صحيح البخاري، 3713]. وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد ضرب مثلاً رائعاً في احترامهم وتوقيرهم، فحين وضع الديوان وقالوا له: ابدأ بنفسك يا أمير المؤمنين، قال: لا، ولكن ضعوا عمر حيث وضعه الله، فبدأ بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم من يليهم، حتى جاءت نوبته في بني عدي وهم متأخرون عن أكثر بطون قريش. [اقتضاء الصراط المستقيم، لابن تيمية ج1/402]. إن من أصول أهل السنة والجماعة الذي لا يتم ولا يكمل إيمان العبد إلا به حب آل البيت، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم" [مجموع الفتاوى، ج3/207]. وذكر ابن كثير رحمه الله كلاماً نفيساً بين فيه مكانة أهل البيت وواجبنا نحوهم حيث يقول: "ولا ننكر الوصاية بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض حسباً ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين" [تفسير القرآن العظيم]. إن إثبات الفضائل العامة لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تكفي لوحدها في الحكم على آحادهم، ما لم يكن من أهل التقى والعمل الصالح، فلا فائدة في نسب من غير عمل؛ لأن التقوى والعمل الصالح هما الفضل الحقيقي الذي ينفع صاحبه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فالتفاضل عند الله بالتقوى التي هي ملاك أمر العبودية، قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ..)) [الحجرات:13] فميزان ومعيار التفاضل عند الله التقوى والعمل الصالح فقط، ومن أخره عمله السيئ وتفريطه في العمل الصالح لم ينفعه في الآخرة شرف النسب؛ ولذا جاء في الحديث: «من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه» [صحيح مسلم، 2699]. ولا يفهم مما تقدم ذكره من الفضائل لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم التفضيل المطلق لمن انتسب إليهم. "لأن تفضيل الجملة على الجملة لا يستلزم أن يكون كل فرد أفضل من كل فرد، فإن في غير العرب خلق كثير خير من أكثر العرب، وفي غير قريش من المهاجرين والأنصار من هو خير من أكثر قريش، وفي غير بني هاشم من قريش وغير قريش من هو خير من أكثر بني هاشم" [مجموع الفتاوى، 19/29-30].

تصفح الكتاب

بحث