أ.د مصطفى حلمي
الشيعة الاثنا عشرية وفضائل الأئمة
يطلق عليها أيضًا الجعفرية نسبة إلى الإمام جعفر الصادق، وتقول بإمامة اثني عشر إمامًا تبدأ بعلي بن أبي طالب وتنتهي بالإمام محمد المنتظر(1) وسنحاول التعرف على آراء ومعتقدات هذه الفرقة في مسألة الإمامة ثم نتتبع سلسلة الأئمة الستة الأوائل.
أول ما يقابلنا في آراء هذه الفرقة هو محاولة نسبة التشيع إلى النبي صلى الله عليه وسلم للحديث الشيعي: (إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترته أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا أبدًا) وإن كان أهل السنة يروونه بطريقة أخرى.
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو صاحب الرسالة الإسلامية يليه الرئيس الأول علي بن أبي طالب لأنه كان يلازم الرسول صلى الله عليه وسلم ويأخذ عنه العلم ويتلقى التشريع العملي(2).
ويأتي الشيخ محمد كاشف الغطاء بأحاديث أخرى لإثبات نشأة التشيع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأنه غارس بذرها منها (والذي نفسي بيده إن هذه وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة) وقوله تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ)) [البينة: 7] بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لعلي عندئذ: (ستقوم أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين)(3).
والذي يحدو بالشيخ كاشف الغطاء إلى تأكيد فكرة أن الشيعة ظهرت منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو التفاف بعض الصحابة حول علي وحبهم له، ولكنه يفسر هذا الحب والتجمع بمعنى أكثر تخصيصًا فيعلل التفافهم حوله أو ملازمتهم له بأن جعلوه "إمامًا كمبلغ عن الرسول وشارح ومفسر لعالميه وأسرار حكمه وأحكامه"(4).
ولا يوافق على تفسير لفظ (الشيعة) بمعنى الأصحاب والأتباع والمحبين ولكنه يخصص هذه التسمية بدائرة أضيق فيقول: "بل لابد هناك من خصوصية زائدة وهي الاقتداء والمتابعة له، بل ومع الالتزام بالمتابعة أيضًا"(5).
ولكنه لا يغمض حق الخلفاء الراشدين حقهم في الاعتراف بالفضل، وإنما يقرر بحياد ونزاهة أن السلطة الدينية والمدنية كانت مجتمعة في الخلفاء الراشدين، ثم انفصلت أحدهما عن الأخرى يوم خلافة معاوية ويزيد(6).
أما أركان الإسلام عندهم فهي خمسة:
الثلاثة الأولى منها وهي: التوحيد والنبوة، والمعاد، فتشمل القضايا الخمس الآتية:
معرفة الخالق، معرفة المبلغ عنه، معرفة ما يعبد به والعمل به، الأخذ بالفضيلة ورفض الرذيلة، الاعتقاد بالمعاد والدينونة.
والركن الرابع هو العمل بالدعائم التي بني الإسلام عليها وهي خمس: الصلاة والصوم والزكاة والحج والجهاد. أي: أن الإيمان قول ويقين وعمل.
فهذه الأركان هي أصول الإسلام والإيمان بالمعنى الأخص عند جمهور المسلمين(7)، ثم يقول الشيخ كاشف الغطاء: "ولكن الشيعة الإمامية زادوا ركنًا خامسًا وهو الاعتقاد بالإمامة"(8).
أي: يجب الاعتقاد بأن هذا المنصب إلهي كالنبوة تمامًا؛ لأن الله يختار من يشاء ويكلفه برسالة النبوة مصداقًا لقوله تعالى: ((وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)) [القصص:68].
فالأنبياء مكلفون من الله والأئمة ينصبون بواسطتهم، والنبي صلى الله عليه وسلم مبلغ من الله والإمام مبلغ عن النبي، وتسلسل الأئمة في اثني عشر إمامًا كل منهم ينص على من يليه وكلهم معصومون لا يجوز عليهم الخطأ ولا الخطوة لقوله تعالى: ((إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) [البقرة:124]، ولأنه ينبغي أن يكون أعلم وأفضل أهل زمانه حتى يتمكن من تأدية رسالته لأن فاقد الشيء لا يعطيه حيث يقول الله تعالى: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)) [الجمعة:2].
وعلى هذا فالاعتقاد بالإمامة من هو الإيمان بالمعنى الأخص، أما من لا يعتقد بالإمامة فلا يخرج عن الإسلام، ولكن التدين عن طريق الاعتقاد بالإمامة أيضًا يؤهل المؤمن لمنازل القرب والكرامة، لا في الدنيا لأن المسلمين فيها سواء، ولكن في الدار الآخرة.
وتتميز الشيعة الإثني عشرية عن باقي فرق الشيعة بالقول بإمامة الأئمة الإثني عشر، لاعتمادها في هذا العدد على الأحاديث النبوية التي منها:
"لا يزال أمر الناس ماضيًا ما وليهم اثنا عشر رجلًا، أو لا يزال الإسلام عزيزًا إلى اثني عشر خليفة"(9).
وقد حرص الشيعة على إظهار فضائل هؤلاء الأئمة الواحد بعد الآخر؛ لأن كل منهم قد نص على إمامة من يليه بعده. وسنعرض لبيان آراء الشيعة في الأئمة محافظين على التسلسل الذي تورده مؤلفاتهم، وموقف أهل السنة منهم.
1- علي بن أبي طالب (49هـ- 660م):
لا يختلف أهل السنة مع الشيعة في ذكر فضائل هذا الإمام الجليل، ولكن الشيعة تضفي عليه من الخصائص وتنسب إليه من الأفضال ما تحاول به أن تجعله يتبوأ المكان الأول بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولا تلقي بالًا إلى باقي الصحابة الذين كان لهم أدوارهم في نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم ثم في خلافته من بعده.
ولكثرة ما وضع الشيعة للإمام علي من صفات ومواهب، ولطول ما والوه إمامًا لا يرقى إليه أحد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، أصبحت مشايعتهم له علمًا عليهم وحدهم، مع أن أهل السنة والجماعة لا ينكرون فضله ولا يغمضونه حقه من التقدير والعرفان. لهذا يقول الشهرستاني في تعريف الشيعة: "هم الذين شايعوا عليًا عليه السلام على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصًا ووصاية إما جليًا وإما خفيًا، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده"(10).
وهو عندهم صاحب الكفاءة والاستعداد الذي لا يعلو مرتبتهما أحد غيره مما جعله إماما هاديًا "وقد عول النبي عليه في جميع شئونه لاتصافه بصفات الإمامة"(11).
وأصبح علي بن أبي طالب وهذا هو المعلم الأول بعد النبي صلى الله عليه وسلم اعتمادًا على الحديث: "أنا مدينة العلم وعلى بابها"، وإن عليًا هو أول من دون العلم وسبق المسلمين جميعًا بكتابه في الفقه (قضاء الإمام) الذي كان عند ابن عباس نسخة منه "ينظر فيها لأخذ أهم القضايا في القضاء عنه"(12).
ومن العجب أن أهل السنة والجماعة يقرون بمآثر علي وفضائله ويذهبون في هذا السبيل إلى حد إقرار أغلب الأحاديث النبوية المقترنة باسمه فقد أورد ابن حجر الهيتمي (المتوفى 974هـ- 1566م) من مآثر هذا الإمام الكثير بل قد لا نجد من الشيعة ما زاد عليه اللهم إلا بوصفه "سيد الأوصياء" أو هو نفس محمد "كما يلقبه بذلك السيد: أسد حيدر الشيعي المعاصر".
ومن المآثر والفضائل التي ثبتت عن علي بن أبي طالب عند أهل السنة أنه أسلم وهو ابن عشر سنين أو تسع أو دون ذلك ولهذا لم يعبد الأوثان قط لصغر سنه فقيل عنه (كرم الله وجهه) وهو أحد السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، ويعد من الشجعان والزهاد والخطباء وأحد جامعي القرآن الكريم وأقام بمكة لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وشهد المعارك كلها إلا غزوة تبوك فكان أميرًا على المدينة حينئذ وأبلى في المعارك ضد الكفار بلاء حسنًا جعلت منه فارسًا عظيمًا.
وقد عدد له ابن حجر (974هـ- 1566م) في صواعقه أربعين حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، أشهرها: "أما ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي"، "ومن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه"، "أنت أخي في الدنيا والآخرة"، و"من أحب عليًا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليًا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله"، وعن القضاء أنه ضرب صدر علي بيده ثم قال: "اللهم اهد قلبه وثبت لسانه"، قال علي: "فوالذي فلق الحبة ما شككت في قضاء بين اثنين". والحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه قال: «إني تركت فيكم كتاب الله عز وجل وسنتي فاستنطقوا القرآن بسنتي فإنه لن تعمى أبصاركم ولن تزل أقدامكم ولن تقصر أيديكم ما أخذتم بهم ثم قال: أوصيكم بهدية خيرًا وأشار إلى علي والعباس، لا يكف عنهما أحد ولا يحفظهما علي إلا أعطاه الله نورًا حتى يرد به علي يوم القيامة».
كما أثنى عليه الصحابة والسلف أيضًا في أقوال كثيرة منها: قول عمر بن الخطاب: "يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن –أي: علي-". وقول ابن الخطاب: "أفضل أهل المدينة وأقضاها علي"، وقال عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة: "كان لعلي ما شئت من ضرس قاطع في العلم وكان له القدم في الإسلام والصهر برسول الله صلى الله عليه وسلم والفقه في السنة والنجدة في الحرب والجود في المال"(13).
وأصبح الإمام علي عند الشيعة هو الإمام المعصوم "وأول الأئمة الصابر على الغضب، المقتول ظلمًا وعدوانًا"(14).
ولكن الواقع أن ما أضفاه الشيعة على الإمام علي من قداسة خاصة تغلو فتذهب إلى تشبيهه بالله أو تقسط وتجعله وصيًا والموهوب بالعلم اللدني، هذه المرتبة التي رفعها إليه الشيعة -بما فيهم الإثني عشرية- كانت لها صدى بعيد في صفوف أهل السنة والجماعة لما لها من مساس بالعقيدة.
وحتى الصورة المعتدلة التي يصور بها الشيعة الاثنا عشرية، نجد فيها آراء غالية، منها ما يقدمه لنا الشيخ محمد آل كاشف الغطاء حيث يقول:
"إمام الشيعة علي بن أبي طالب الذي يشهد الثقلان أنه لولا سيفه ومواقفه في بدر وأحد وحنين والأحزاب ونظامها لما اخضر للإسلام عود وما قام له عمود حتى كان أقل ما قيل في ذلك ما قاله أحد علماء السنة: ألا إنما الإسلام لولا حسابه كعفطة عنز أو قلامة ظافر"(15).
فقد وقف أهل السنة لمثل هذه التشبيهات معترضين، وسلاحهم في هذا الكتاب الكريم، لأن الدين الإسلامي المنزل والذي كلف بتبليغه الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين لا يصح أن يقال عنه أنه لولا علي لكان "عطفة عنز أو قلامة ظافر".
إن الاعتراف لعلي بالفضل كبطل من أبطال الجيش الإسلامي واجب على المسلمين جميعًا سنيهم وشيعتهم، وإنما الارتفاع بتأثيره إلى هذه المنزلة بحيث يصبح فعالًا في الدين الإسلامي نفسه، فهو ما كان موضع اعتراض من أهل السنة؛ لأنه لولا الإسلام لا كان للعرب -بما فيهم علي- شأن يذكر كما يرى موسى جار الله بقول الله تعالى: ((هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا)) [الإنسان: 1]، وفي آية أخرى: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ)) [فاطر: 15 - 17]، وقوله عز وجل: ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)) [فاطر:10].
ولا سبيل لأحد أن يمن على الله بشيء أداه مهما كان حيث يقول تعالى: ((لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)) [الحجرات: 17]، وقوله جل جلاله: ((وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ)) [الأنفال:19].
وقد تضمن رد موسى جار الله على النص الآنف الذكر، أنه يرجح أن مثل هذا القول محرف مما جاء على لسان الإمام علي: "دنياكم عندي كعطلة عنز فلا فلاة" وهو قول فيه بلاغة في التشبيه، أما انتحاله في الإسلام لولا سيف علي فلم ولن يرتكبه أحد. إذ لا شرف لعلي وسيفه إلا بإسلامه والإسلام في شرفه غني عن العالمين غنى الله(16).
ويضيف إلى هذا أن أمير المؤمنين علي هو أول من يتبرأ من مثل هذا الكلام. ولكن تعلق الشيعة (بالذات)، و(بذات واحدة) وإضفاء القداسة الخاصة عليها أدى إلى تدخل الأسطورة، حيث تتبع صاحب المذهب حتى تصبح جزءً من المذهب(17).
ويمكننا تحقيق هذا الرأي فيما جمعه الشريف الرضي (406هـ- 1015م) من أساطير حيكت شباكها حول ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم. ثم في روايته للوقائع التاريخية بطريقة أخرى تخالف ما نقلته مصادر أهل السنة، حيث نلاحظ على روايات الشيعة التصوير المسرحي الأخاذ، وهو دليل على الاختلاق والإضافة؛ لأن نزعتهم تتدخل في نقل الأحداث، فتضفي عليها ما ليس فيها، وتصبغها بالصبغة الشيعية، إذ يتبين للباحث من أول وهلة أن رائحة التشيع تهفو منها.
والشريف الرضي في سرده لوقائع وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ترك لنا وقائع تختلف تمامًا عما أجمعت عليه مصادر أهل السنة، فيذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند مرضه دعا عليًا فوضع رأسه في حجره وأغمى عليه، فلما أتى وقت الصلاة خرجت عائشة من تلقاء نفسها دون ما أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبت من عمر أن يصلي بالناس. ودارت مناقشة بينهما وبين عمر إذ يرى أباها أبا بكر أولى وتعطيه الحق في رأيه، ولكن ما يمنعها أنه "لين وأكره أن يواثبه القوم" ثم قبل عمر في النهاية على أن يصلي أبو بكر ويقف هو مدافعًا عنه ليدافع عنه إذا ما تجرأ أحد المسلمين على التوثب عليه، وكانت رغبة عمر أن يسرع أبو بكر بالصلاة قبل أن يفيق الرسول صلى الله عليه وسلم فيأمر عليًا أن يصلي بالناس.
فلما صلى أبو بكر بالناس -دون أمر النبي صلى الله عليه وسلم- أفاق الرسول صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يدعو عمه العباس، فحمله الاثنان -علي والعباس- وكأنه صلى الله عليه وسلم كره أن يعاونه أحد غيرهما من الصحابة. ثم خطب على المنبر بعد الصلاة خطبة حضرها المهاجرون والأنصار وظل يخطب ساعة ويسكت أخرى.
ونترك بعد هذا المجال لنص الخطبة التي تركها لنا الشريف الرضي لأنها تحمل بنفسها التعليق عليها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المهاجرين والأنصار! من حضر في يومي هذا وساعتي هذه من الإنس والجن ليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا إني قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى والبيان لما فرض الله تعالى من شيء حجة الله عليكم وحجتي وحجة ولي وخلفت فيكم العلم الأكبر علم الدين ونور الهدى وهو على بن أبي طالب عليه السلام وهو حبل الله ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ...)) [آل عمران: 103]... الآية"(18).
"أيها الناس.... هذا هو علي عليه السلام من أحبه وتولاه اليوم وبعد اليوم فقد أوفى بما عاهد عليه الله، ومن عاداه وأبغضه اليوم وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى لا حجة له عند الله.
أيها الناس.. لا تأتوني هذا بالدنيا تزفونها زفًا ويأتي أهل بيتي شعثًا غبرًا مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم، إياكم واتباع الضلالة والشورى للجهالة، ألا وإن هذا الأمر له أصحاب قد سماهم الله عز وجل لي وعرفنيهم وأبلغكم ما أرسلت به إليكم، ولكن أراكم قومًا تجهلون لا ترجعوا بعدي كفارًا مرتدين تقولون على غير معرفة، وتبتدعون السنة بالأهواء وكل سنة وحديث وكلام خالف القرآن فهو زور وباطل، والقرآن إمام هاد وله قائد يهدي به ويدعو إليه بالحكمة والموعظة الحسنة وهو علي بن أبي طالب عليه السلام، وهو ولي الأمرين بعدي ووارث علمي وحكمي وسري وعلانيتي وما ورثه النبيون قبلي، وأنا وارث وموروث فلا تكذبنكم أنفسكم.
أيها الناس! الله الله في أهل بيتي فإنهم أركان الدين ومصابيح الظلام ومعادن العلم. علي عليه السلام أخي ووزيري ووصيي والقائم من بعدي بأمر الله الموفي بذمتي ومحيي سنتي، وهو أول الناس إيمانًا بي وآخرهم عهدًا عند الموت وأولهم لقاء إلي يوم القيامة. فليبلغ شاهدكم غائبكم.
أيها الناس! من كانت له تبعة فها أنا ذا ومن كانت له عدة أو دين فليأت علي بن أبي طالب -عليه السلام- فإنه ضامن له كله حتى لا يبقى لأحد قبلي تبعة"(19).
وتحمل هذه الخطبة في طياتها على ما اشتملت من معان ثوب العقائد الشيعية الإثني عشرية برمتها إذ يحيطها الشريف الرضي بجو اغتصاب حق علي بن أبي طالب بواسطة أبي بكر وعمر وقيام الأول بالصلاة خلافًا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم وانتهازهما الفرصة لانشغال علي بالمرض، ثم أورد في سياق الخطبة نظرية الشيعة مفصلة متسقة مع عقائدهم أيما اتفاق.
فعلي بن أبي طالب هو وريث العلم وهو الشارح لما أتى به القرآن ثم يأتي بعده الأئمة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وسلم وسماهم الله عز وجل له. ونلاحظ الطعن في أهل السنة لأنهم "يبتدعون السنة بالأهواء ويبتغون الضلالة والشورى للجهالة ثم نلمح مدحًا أيضًا للأئمة آل النبي الذين خرجوا للمطالبة بالإمامة ومناجزة الخلفاء".
وبعد هذا كله لا يجد الباحث صعوبة في اكتشاف اختلاف أسلوب الخطبة ذاتها ومفرداتها عن خطب النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه التي تركها لنا الثقات إن الخطبة أشبه بثوب مفصل لمذهب الشيعة الإثني عشرية أحكم نسجه، ولكنه لا يلبث أن ينزع بالعين الفاحصة الناقدة، فيظهر وراءه الانتحال والوضع كأوضح ما يكون.
2- الحسن بن علي (50هـ- 670م):
وهو الإمام الثالث عند الشيعة. أما أهل السنة فقد اعتبروه آخر الخلفاء الراشدين بنص الحديث: «الخلافة ثلاثون عامًا ثم يكون بعد ذلك الملك»، كما ذكر السيوطي أنه "لم يكن في الثلاثين إلا أيام الخلفاء الأربعة وأيام الحسن"(20).
ولكن خلافته لم تدم سوى نحو ستة أشهر إذ تنازل عنها لمعاوية حقنًا للدماء واشترط في كتاب الصلح الذي وجهه إلى معاوية أن يعمل بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده.
وأضاف: "وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدًا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين"(21)، وأصبح العام الذي تم فيه الصلح بين الاثنين يسمى بعام الجماعة، وتحقق في الحسن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".
ويرى القلقشندي أن في خلع الحسن لنفسه وتسليمه الخلافة لمعاوية ظهور معجزتين للنبي صلى الله عليه وسلم فيما تحقق من الحديثين المتقدمين(22).
وقد ثار أصحاب الحسن عند تنازله عن بيعتهم إلى معاوية وكان على رأس الساخطين قيس بن سعد بن عبادة إذ قال له أصحابه: "الحمد لله الذي أخرجه من بيننا فانهض بنا إلى عدونا" ولكنهم لم يلبثوا أن استمعوا إلى صيحة أحدهم: "هذا أميركم قد بايع وهذا الحسن قد صالح، فعلام تقتلون أنفسكم"(23).
وبلغ من سخط أصحاب الحسن عليه أن دعوه "يا عار المؤمنين" أو "يا مذل المؤمنين" فكان يدافع عن نفسه بقوله: "العار خير من النار" أو "لست بمذل المؤمنين ولكني كرهتُ أن أقتلكم على الملك"(24) ويعتقد الشيعة أن الحسن مات مسمومًا بفعل معاوية بن أبي سفيان إلا أن أستاذنا الدكتور النشار أتى بنص مهم لأقدم مصدر شيعي وهو كتاب المقالات لأبي خلف القمي إذ يقرر أنه مات من جراحته التي أقيمت منها بعد محاربة معاوية(25).
أما البغدادي فيرى أن سبب مصالحته لمعاوية يرجع إلى غدر أحد أتباعه إذ طعنه في جنبه فصرعه(26).
ويذكر النوبختي أن أتباع الحسن خالفوه وطعنوا فيه عندما صالح معاوية وتنازل له عن الخلافة، وانعكس تأثير هذا السخط على أحدهم ويدعى "الجراح بن سنان" الذي طعنه في فخذه قائلًا له: "الله أكبر، أشركت كما أشرك أبوك من قبل"(27).
ولكن يبدو من هذا النص أن قائله لا بد وأن يكون من الخوارج وليس من أتباعه أو يحتمل انضمامه إليهم خفية وهو يضمر في نفسه العداء له كما كان يحمل الخوارج العداء لأبيه.
ويعتبر النوبختي أن أتباع الحسن تشكل (فرقة) إذ أنما تقلب القول بإمامته بعد موته إلى القول بإمامة أخيه الحسين ثم أخذتها الحيرة ومقتل الحسين؛ لأنه اختلط عليها ما أداه كل من الحسن وأخيه الحسين وأيهما المصيب وأيهما المخطئ.
هل أصاب الحسن عندما وادع معاوية بالرغم من عجز الأخير عن محاربة الحسن لكثرة أنصاره وأتباعه أم كان خطأ؟ وبالمثل، هل كان الحسين في قتاله ليزيد مخطئًا أم مصيبًا مع ضعف أنصار الحسين وقلتهم وكثرة جنود يزيد بن معاوية.
وعلى هذا فإنهم شككوا في إمامتهما معًا؛ لأن الحسين لو لم يحارب يزيد لكان عذره أكثر قبولًا وسبب قعوده عن محاربته أكثر وضوحًا من طلب الصلح والموادعة الذي تم من الحسن لمعاوية.
ثم افترقوا بعد استشهاد الحسين إلى ثلاث فرق: أولها من قالت بإمامة محمد بن الحنفية لأنه أقرب الناس إلى أمير المؤمنين علي بعد الحسن، وأنه أولى بالإمامة كما كان الحسين أولى بها بعد الحسن والحسين.
وفرقة ثانية ادعت أن محمد بن الحنفية هو الإمام المهدي وصي علي بن أبي طالب "وليس لأحد من أهل بيته أن يخالفه ولا يخرج عن إمامته ولا يشهر سيفه إلا بإذنه"(28)، واستدلوا على ذلك من أن تنازل الحسن لمعاوية تم بعد موافقة أخيه محمد بن الحنفية على المصالحة بعد أن صرح له من قبل بمحاربته، وكذلك فعل مع الحسين حيث صرح له بمقاتلة يزيد "لو خرجا بغير إذنه هلكا وضلا، وأن من خالف محمد بن الحنفية كافر مشرك"(29).
ثم ظهرت بوادر الغلو على أثر وفاة محمد بن الحنفية إذ قال بعض أتباعه أنه لم يمت ولن يموت "ولكنه غاب ولا يدري أين هو وسيرجع ويملك الأرض ولا إمام بعد غيبته إلى رجوعه"(30).
3- الحسين بن علي (61هـ- 680م):
اعتبر الحسين سيد شهداء الشيعة، وكان مقتله أكبر حادث في تاريخ الإسلام السياسي والروحي(31).
ومن الأحاديث التي رويت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر الحسين قوله صلى الله عليه وسلم: "حسين مني وأنا منه أحب الله من أحب حسينًا، الحسن والحسين سبطان من الأسباط"(32).
وقد نسج الخيال الشيعي خيوطه حول مأساة مقتل الحسين، فمن الآثار الأسطورية لهذه الموقعة أن آفاق السماء احمرت لمدة ستة أشهر، أو أن الحمرة لم تكن تظهر قبل مقتل الحسين، أو أن الله تعالى قد أظهر تأثير غضبه على من قتل الحسين بحمرة الأفق إظهارًا لعظم الجناية(33).
ولكن الثابت أن الحسين يقاتل بشجاعة بالرغم من قلة عدد المحاربين في صفه.
كما يجمع الرواة على أن من عاتبوه وبايعوه أخلفوا وعدهم وبيعتهم، وأن المخلصين له قد نصحوه بعدم الخروج لمحاربة يزيد بن معاوية ولكنه أبى.
ويعطي الفرزدق صورة دقيقة لماحة للموقف إذ قال للحسين: "سقطت يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء"(34). ولكن الحسين تقدم بشجاعة نادرة ينشد:
أنا ابن علي الحبر من آل هاشم *** كفاني بهذا مفخرًا حين أفتخر
وجدي رسول الله أكرم من مشى *** ونحن سراج الله في الناس يزهر
وفاطمة أمي سلالة أحمد *** وعمي يدعى ذا الجناحين جعفر
وفينا كتاب الله أنزل صادقًا *** وفينا الهدى والوحي والخير يذكر(35)
وثبت في المعركة دون خوف أو وجل مما أصبح قدوة لحركة التوابين حين قامت لتقتص من قاتليه، وكان لخذلان أهل الكوفة له صدى بعيد في نفوس الشيعة لزمن طويل.
فحتى أولئك الذين بعثوا بالكتب والبيعة إلى الحسين خذلوه في اللحظات الحاسمة، وتخلوا عنه وتركوه إلى مصيره من قتل وإهانة وتمثيل بجسده، فلا غرو أن يجد الحسين نفسه في النهاية بين أفراد قلائل من الأصحاب وأهل بيته وهم تسعون بين رجل وامرأة(36) أن يطلب الكف عن القتال فيما يروي ابن قتيبة فقال لعمرو بن سعيد الذي أرسله لعبيد الله بن زياد لقتالهم: "يا عمرو! اختر من ثلاث خصال: إما أن تتركني أرجع مهما جئت، فإن أبيت هذه فأخرى تسيرني إلى الترك أقاتلهم حتى أموت أو تسيرني إلى يزيد فأضع يدي في يده فيحكم في بما يريد"(37).
ولم يكن في جمع الحسين إلا عدد قليل جداً من أهل المدينة، كما لم يناصره أهل الكوفة بل خذلوه ساعة المحنة وتركوه يلقى مصيره وحده، مما دفع الحمية ببعض جند أعدائه إلى الالتحاق بجيشه والقتال دفاعًا عنه لأنهم استنكروا أن "يعرض ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال فلا يقبل أعداءه واحدة منها"(38).
إن البعض بعث الكتب إلى الحسين ثم لم يفعلوا شيئًا إلا أن يرقبوا المعركة من بعيد، وقلة منهم هم الذين آزروه وناصروه، ثم قتل غيلة وغدرًا.. كل هذا خلق الشعور بالذنب، هذا الإحساس هو الذي دفع "هؤلاء الشيعة إلى القتال والموت"(39)، ثم كانت المعين الذين لا ينضب للأساطير والروايات الشيعية، وأحد أسباب الغلو التي ظهرت بعد ذلك لتفتح الطريق للمذاهب والأفكار أن تنفذ إلى قلوب الشيعة وعقولهم.
فلم تكن المحبة في أول أمرها للبيت النبوي إلا عاطفة رقيقة. ولكن مصرع الحسين لهذه الصورة المروعة حول هذه العاطفة فكبرت وتضخمت ثم تحولت إلى عقيدة نال منها الغلو والتطرف حينًا، وابتعد عنها أحيانًا، ولكنها ظلت تلتقط الأفكار والنظريات لتخلق منها تكئة لهذه المعتقدات.
والمتتبع لسياق الأحداث مما أجمع عليه المؤرخون والباحثون من ملاحظة تخلف أنصاره بالكوفة عن القتال معه، لا يوجد صعوبة في الاستنتاج بأن الصياغة التي تمت للمذهب الشيعي بصورته الفلسفية في أيام الجعفر الصادق كانت في الحقيقة صدى لهذه المعركة الطاحنة التي ذهب ضحيتها ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويرى ابن تيمية أن الاختلاف في شأن مقتل الحسين تفرق إلى ثلاث وجهات نظر منها: أن قتله كان حقًا؛ لأنه شق عصا المسلمين وفرق جماعتهم، بينما ينص الحديث النبوي على أنه "من جاءكم وأمركم على رجل واحد يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه" فقاسوا الأمر على ما فعله الحسين، ولهذا يعد أول خارج على ولاة الأمر في الإسلام، ولكن الشيعة ترى أنه كان الإمام الواجب طاعته الذي لا يتم أمر من أمور الدين من جهاد أو صلاة إلا به. وكلا الرأيين متطرفان.
أما المذهب الوسط -وهو مذهب أهل السنة والجماعة- فيعتبر أن الحسين قتل شهيدًا مظلومًا، ولا ينطبق عليه الحديث السابق ذكره؛ لأنه "طلب أن يذهب إلى يزيد أو إلى الثغر أو إلى بلده فلم يمكنوه وطلبوا منه أن يستأثر لهم وهذا لم يكن واجبًا عليه"(40).
وكان مقتل الحسين فرصة سانحة لظهور البدع، فهناك بدعة الحزن والنواح ولطم الخدود يوم عاشوراء وما يفضي إلى ذلك من لعن السلف وقراءة أخبار مقتله بكثير من التحريف والتهويل مما يفتح باب الفتنة بين الأمة الإسلامية.
ومقابل النواح والعويل كان يفرح قوم من الناصبة أعداء أمير المؤمنين علي وأولاده كالحجاج بن يوسف الثقفي واختلقت الأحاديث حيث رووا "من وسع على أهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته" وهو حديث لا إسناد ثابت له كما يقول ابن حنبل.
ويأتي ابن تيمية بحادثة نقل رأس الحسين إلى يزيد كما رواها البخاري في صحيحه عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك، ونقلت بواسطة أبي نعيم عن ابن عمر، ثم يطعن في صحة الحادثة ودليله على ذلك أن هؤلاء الصحابة الذين حضروا واقعة قيام يزيد بالنكت على ثنايا الحسين لم يكونوا بالشام بل كانوا بالعراق. ويرى أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين إذ لا غرض له من قتله وإنما أراد أن يكرمه كما أمره بذلك أبوه معاوية، ولما وجد الحسين أن أهل العراق خذلوه ويودون تسليمه إلى يزيد طلب أن يرجع إلى بلده أو يقابل يزيد أو يذهب إلى الثغر فمنعوه وقاتلوه حتى قتل شهيدًا مظلومًا.
بل إن خبر قتله لما بلغ يزيد وأهله ساءهم ذلك وبكوا على قتله وقال يزيد: "لعن الله ابن مرجانة -يعني: عبيد الله بن زياد- أما والله لو كان بينه وبين الحسين رحم لما قتله.. قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين"(41).
ويعيب ابن تيمية على يزيد أنه لم يثأر للحسين ولم يقتل قاتله، ولكنه في الوقت نفسه يطعن في الأخبار التي تروى عن سبي نساء الحسين، ويرجع مصدرها إلى أهل الهوى والجهل؛ لأنه لم يحدث قط أن سبى المسلمون هاشمية كما لم تستحل أمة محمد صلى الله عليه وسلم أبدًا سبي نساء بني هاشم.
وخطأ الفهم عن تصديق مثل هذه الأخبار يرجع إلى عدم التفرقة بين ما قيل من أن الحجاج قتل الأشراف، وبين بني هاشم، ويمكن تفسير ذلك من الخلط بين الأشخاص المنتمين حقيقة إلى بني هاشم وبين البعض الآخر الذي يدعي كذبًا أنه علوي بينما نسبه مطعون فيه.
وينفي ابن تيمية نفيًا قاطعًا أن الحجاج قتل أحدًا من بني هاشم مع كثرة قتله لغيرهم. والذي يساعد ابن تيمية في وصوله إلى هذا الجزم أن عبد الملك كتب إلى الحجاج يقول له: "إياك وبني هاشم أن تتعرض لهم فقد رأيت بني حرب لما تعرضوا للحسين أصابهم ما أصابهم"(42).
فإذا قيل أن الحجاج قد قتل كثيرًا من أشراف العرب فيجب أن ينصرف المعنى إلى سادات العرب، ولكن الحلي ظن خطأ أن الأشراف بمعنى بني هاشم؛ لأن اصطلاح الأشراف في مفهومه لا تخرج عن بني هاشم، بينما الأشراف عند بعض البلاد هم أولاد العباس وفي بعض هم أولاد علي.
فالمسلمون كانوا يوقرون بني هاشم ويعظمون كل من ينتمي إليهم؛ بدليل أن الحجاج تزوج ببنت عبد الله بن جعفر فلم يقبل ذلك بنو أمية ونزعوها منه؛ لأنهم يعظمون شأن بني هاشم.
فلم يطف برأس الحسين ولم يقم يزيد بسبي عياله، بل إنهم عندما دخلوا بيته قامت النساء نائحات باعيات، وأكرمهم يزيد وأحسن وفادتهم وخيرهم بين الإقامة عنده أو السكن بالمدينة فاختاروا الرجوع. فكل ما قيل غير هذا فهو تلفيق وكذب.
أما قتل الحسين فهو بلا ريب من أعظم الذنوب وإن "فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله"(43). ولكنه في نفس الوقت ليس أفدح من وقع من قتل من قبل من النبيين وقتلى المسلمين الأولين في معاركهم الطاحنة ضد المشركين كشهداء أحد وقتلى حرب مسيلمة الكذاب، وقتل عثمان وقتل أبيه علي بن أبي طالب، حيث ظن قاتلوه أنهم يتقربون إلى الله بقتله؛ لأنه في اعتقادهم كافر، أما المحاربون للحسين فلم يعتقدوا كفره بل وأكثرهم قتله "لكن قتلوه لغرضهم كما يقتل الناس بعضهم بعضًا على الملك"(44).
أما الترهات التي تحكى عن إمطار السماء دومًا وظهور الحمرة في السماء منذ ذلك الوقت فإنها محض هراء؛ لأن سبب هذه الحمرة طبيعي عندما تكون الشمس في منزل الشفق.
ويفند ابن تيمية ما يقوله الشيعة من إكثاره الوصية للمسلمين في ولديه الحسن والحسين بحديثه: هؤلاء وديعتي عندهم وأنزل الله فيهم: ((قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) [الشورى: 23] ويورده على أسباب ثلاثة:
إنه يقر أولًا بالحق الواجب للحسن والحسين، ويستشهد بخطبة النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم الواقع بين مكة والمدينة، حيث قال: «إني تارك فيكم الثقلين أحدهما كتاب الله وعترتي أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي» فالحسن والحسين من أعظم أهل بيته اختصاصًا به؛ لأنه وزع كساءه على علي وفاطمة والحسن والحسين، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا».
ولكنه لا يؤيد صحة الحديث الذي يعتبر الحسن والحسين وديعة بين المسلمين؛ لأنه غير مدون بكتب الحديث المعتمدة، ولأن الحفظ لا يكون إلا للمال لا للرجال وإن كان يقصد كما يستودع الرجل أطفاله لمن يربيهم ويحفظهم فإنهما كانا قد بلغا مبلغ الرجال وأصبح كل منهما مسئولًا عن نفسه.
والنبي صلى الله عليه وسلم أعظم من أن يودعهما لمخلوق، وإن «أراك أن الأمة تحفظهما وتحرسهما فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين»(45).
النقطة الثالثة التي يستند إليها ابن تيمية في تدعيم وجهة نظره أن الآية: ((قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) [الشورى: 23] من سورة الشورى وهي مكية نزلت قبل أن يتزوج علي بفاطمة وقبل أن يولد الحسن والحسين، فالثابت أن عليًا تزوج فاطمة في المدينة في العام الثاني من الهجرة، وقد بين ابن عباس أنه ما من قبيلة من قريش إلا وبينها وبين الرسول صلى الله عليه وسلم قرابة، فمعنى هذه الآية: ((قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) [الشورى:23] إلا أن تودوني في القرابة التي بيني وبينكم، ولم يقصد بها عليًا وفاطمة وأبناءهما على وجه التحديد كما ذكرت بعض المصادر خطأ؛ لأن سورة الشورى جميعها مكية، بينما ولد الحسن سنة ثلاث من الهجرة في منتصف رمضان، وولد الحسين في الخامس من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة(46).
4- علي زين العابدين (94 أو 95هـ- 712 أو 713م):
إنه من سلالة فاطمة الزهراء، وابن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي نجا من المعركة التي استشهد فيها أبوه، حتى تبقى ذرية الحسين في عقبه.
فكما اختلفت الشيعة على أثر مقتل الحسين فانحل بعضهم إلى محمد بن الحنفية بينما رأى البعض الآخر انتقال الإمامة إلى علي بن الحسين هذا، فقد تنازعته الفرق فيما بينها وضمه أهل السنة والجماعة إلى صفوفهم، واعتبرته الشيعة الإثني عشرية أحد أئمتهم الذين انتقلت إليهم الإمامة الروحية بعد أبيه الحسين.
أما الشيعة الإثني عشرية فإنه تمشيًا مع المذهب الذي التقط في نشأته وتطوره كثيرًا من الأساطير والآراء الغالية، فقد أرجع إمامته -دون عمه محمد بن الحنفية- إلى نتيجة التحكيم عند الحجر الأسود حيث نطق الحجر (إنه الإمام الحق)(47) فأصبح هو الإمام بعد أبيه الحسين.
وأضافوا إليه العلم بالغيبيات، إذ علم بالكتاب الذي كتبه عبد الملك للحجاج ينهاه فيه عن اجتناب دماء بني عبد المطلب، فذكره محدد لليوم والنص حد بهت عبد الملك عندما اكتشف صحة تنبؤه "فسأله أن لا يخليه مع صالح دعائه"(48).
وبحكم نشأة هذا العابد الفذ في ظل الأحزان والمكابدة والآلام، ألقى بنفسه في بحر العبادة، وهام مع عبوديته لربه فكان "إذا توضأ للصلاة اصفر لونه، فقيل له في ذلك فقال: ألا تدرون بين يدي من أقف؟"(49).
إنه لجأ إلى العبادة بعيدا عن هذا المعترك السياسي المضطرب بالأحداث على أثر مقتل أبيه الحسين، وثورة المدينة ومكة وجه الحكم الأموي.
وقد أنقذ علي بن الحسين الكثيرين من أهل المدينة بمصالحته وبيعته لمسلم بن عقبة، وعندما مات يزيد بن معاوية لجأ إليه العراقيون يحاولون جذبه إلى نفس المنزلق الذي وقع فيه أبوه وجده، ولكن "الحوادث كانت قد صقلته صقلًا نهائيًا"(50) فأبى.
وظلت قلوب المسلمين من حوله تتطلع إليه حبًا في السلالة الطاهرة التي تفرع منها، فلا غرو أن يعرفه الكافة عندما أراد الوصول إلى الحجر الأسود تكملة لمناسك الحج فتفسح له الطريق، وكانت مناسبة التقطها الفرزدق ليعرف بها في قصيدته المشهورة هشام بن عبد الملك الذي لم يلق إليه المسلمون بالًا وهو ابن ذي السلطان.
قال الفرزدق:
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته *** والبيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خير عباد الله كلهم *** هذا التقي النقي الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها *** إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
ينمي إلى ذروة العز التي قصرت *** عن نيلها عرب الإسلام والعجم
ولكن العاطفة لم تكن تظل بصورتها التلقائية نحوه ونحو أهل البيت النبوي إذ مشى فيها وباء الغلو والتطرف، فلما تناهى إلى سمعه بعضها وقف في وجهها بشدة وتبرأ من معتنقيها.
فمن أقواله لبعض الشيعة:
"أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح حبكم حتى صار علينا عارًا، وحتى بغضتمونا إلى الناس"(51).
وهو بمثل هذا القول، وبأقوال أخرى أوردها الأستاذ الدكتور النشار، يمكن أن نصل إلى نفس الاستنتاج الذي استخلصه من تلك النصوص، وهو أن نظرة أهل البيت لأنفسهم لم تكن أبدًا بالصورة التي تناقلتها الشيعة خاصة المتطرفين منهم، كذلك رأيهم في الصحابة الأولين فكانوا موضع إجلال وإكبار لا محل سخط ولعن.
"ولا عجب أن نراهُ يتولى أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدعو لهم في الصحيفة السجادية المنسوبة إليه، وأن نرى ابنه الإمام زيدًا يتابع سنة أبيه ويختلف مع غلاة الشيعة في الكوفة فيما بعد حين يتولى الشيخين"(52).
ويذهب الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة إلى مثل هذا الرأي مستخلصًا إياه من الرواية التي ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية وخلاصتها أن علي بن الحسين جلس إلى قوم من أهل العراق فنالوا من أبي بكر وعمر، فسألهم: أأنتم من المهاجرين الأولين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلًا من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله؟، قالوا: لا، فسألهم ثانية: أفأنتم من الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم؟ فأجابوا بالنفي للمرة الثانية، فقال لهم: أما أنتم قد أقررتم على أنفسكم وشهدتم على أنفسكم أنكم لستم من هؤلاء ولا من هؤلاء وأنا أشهد أنكم لستم من الفرقة الثالثة الذين قال الله فيهم: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا)) [الحشر: 10] فقوموا عني لا بارك الله فيكم، ولا قرب دوركم، أنتم مستهزئون بالإسلام، ولستم من أهله.
وإن كانت هذه الرواية منسوبة إلى محمد الباقر بن علي زين العابدين فإن الأستاذ الشيخ أبو زهرة يرى احتمال تكرر الواقعة مع الأب والابن فتكرر معها القول(53).
فلا عجب إذًا أن يضع علي زين العابدين نفسه في تيار السنة العام(54) لأنه استنكر الغلو في حب أهل البيت النبوي فنسبت إليهم العصمة والقداسة، ولأنه أيضًا كان من تلاميذ العالمين الكبيرين: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير(55).
ولهذا لم تضعه الشيعة المعاصرة في سلسلة الأئمة الخالدين أو المعصومين أو الراجعين كما يقول أستاذنا الدكتور النشار حيث قطع الطريق أمام كل غال بطراز حياته التي قضاها متعبدًا حتى أطلق عليه (زين العابدين).
وقد وصل أستاذنا الدكتور النشار في بحثه عن حياة هذا العابد النقي الإيمان إلى نتائج مهمة تتلخص فيما يلي:
أولًا: أنه لم يختلف مع ابن عمه محمد بن الحنفية، وأن أسطورة الاحتكام إلى الحجر الأسود ما هي إلا محض افتراء.
ثانيًا: لقد اتسم حقًا بالحزن وعرف بكثرة البكاء حتى عد أحد البكائين الخمسة بعد آدم ونوح ويوسف ويحيى وفاطمة، إلا أنه لم يعرف في حزنه المقت والضغينة الذي انقلب إليه حزن الشيعة بعده.
ثالثًا: من الخطأ القول بأنه وضع نظامًا معينًا للزهد، وأن الصحيفة السجادية المنسوبة إليه موضوعة بواسطة الشيعة المتأخرين.
رابعًا: شهر السلاح في وجه أنواع الغلو كلها وكره الكلام العقلي(56).
5- محمد الباقر (113هـ-731م):
كان أبوه علي زين العابدين علمًا على العبادة والتقوى ثم أصبح من بعده ابنه الباقر رمزًا للعلم الذي تفرغ له في عزلته بالمدينة، وسمي بالباقر لتبقره بالعلم أو لأنه بقر العلم بقرًا(57)، ونسبت إليه الشيعة آراء في نظرية الإمامة حيث أكد صفة الإمام الروحية، ووراثة النبي صلى الله عليه وسلم لعلم الأنبياء ورثها الباقر عنه مع انتقال الإمامة الروحية إليه ثم تروى القصص الكثيرة عن مقدرته على إحياء الموتى وإبراء الأكمه بإذن الله.
ومن أقواله التي ينسبها إليه الشيعة، أن الوحي المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم يختلف عما هو منزل على الإمام، فالنبي صلى الله عليه وسلم ربما سمع الكلام أو رأى الشخص –أي: جبريل عليه السلام- ولم يسمع، أما الإمام فهو الذي يسمع الكلام ولا يرى الشخص، كما أن الأئمة معصومون وبهم ينظر الله إلى الناس بعين الرحمة ولولاهم لهلك الناس(58).
ويذكر السيد أسد حيدر أن حركة الغلاة الهدامة كانت تقوم على إسناد الأحاديث الكاذبة إلى الباقر وابنه الصادق بعده. فممن أسند إليه المغيرة بن سعيد ادعى الاتصال به –أي: الباقر- وأخذ يروي عنه الأحاديث المكذوبة، فلما علم الإمام الصادق بخبره نهى عن تصديقه بقوله: "لا تقبلوا علينا حديثًا إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهدًا من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها"(59).
ويبدو أن الغلاة انتهزوا فرصة إحاطته بعلوم الفقه والحديث، وكثرة عدد من يقصده من العلماء الستفسرين عما استشكل عليهم من أمور، ليدسوا ما شاء لهم الدس.
فإن الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة يؤيد أن مجلسه العلمي كان يضم العلماء من كل حدب وصوب مع اختلاف المذاهب والأهواء، فمن زواره علماء يتشيعون لآل البيت، وآخرين من أهل السنة -منهم الإمام أبو حنيفة- وبعض الغلاة الذين أفرطوا في تشيعهم "فكان يبين لهم الحق، فإن اهتدوا أخذ بيدهم إلى الحق الكامل وإن استمروا على غيهم صدهم، وأخرجهم من مجلسه"(60).
وكان الإمام الباقر يجل الصحابة وينهى عن الإساءة إليهم، وخاصة الشيخين أبا بكر وعمر، فيقول: "من لم يعرف فضل أبي بكر وعمر فقد جهل السنة"(61)، كما أعلن البراءة ممن يتناولهما ويزعم أنه يحب أهل البيت النبوي.
إلا أن الشيعة الإمامية يرون أن الإمام الباقر هو واضع علم الأصول وليس الشافعي وإن اعترفوا للشافعي بأنه ألف في الأصول ووسع دائرة بحثه، لكنه جاء متأخرًا عن مصنفي الشيعة. ويذهب السيد أسد حيدر في هذا المعنى إلى أن "هشام بن الحكم كان أسبق من الشافعي لأنه ألف مباحث الألفاظ من الأوامر والنواهي والبيان والنسخ وغير ذلك الذي تلقى معلوماتها عن أستاذه الإمام الصادق قبل ولادة الشافعي"(62).
ولا ينقض الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة هذا القول، ولكنه يميل إلى أن آثار الإمامين الباقر وبعده الصادق كانت من إملائهما أو مذكراتهما لتلاميذهما "وليس تدوينًا مبوبًا مرتبًا كرسالة الشافعي التي أثرت عنه"(63).
ويقر ابن تيمية أن الباقر كان من "خيار أهل العلم والدين" ولكنه لا يرى أنه "أعلم أهل زمانه" كما يسميه الحلي؛ لأن الزهري عند ابن تيمية -وهو من أقران الإمام الباقر- أعلم منه(64).
وقد تعرض أستاذنا الدكتور النشار إلى الأحاديث المنسوبة إلى الإمام الباقر وفندها تفنيدًا علميًا، ومن هذه الأقوال تعليل الحاجة إلى الإمام لكي يرفع الله العذاب عن أهل الأرض، ثم الحديث الخطير المنسوب إليه على وجوب طاعة المسلمين لأمير المؤمنين علي حتى في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم "ولكنه صمت فلم يتكلم في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم".
يقول الأستاذ الدكتور النشار: "فإن صح حقًا أنه دعا إليهم –أي: نظرية الإمام الصامت والإمام الناطق- فقد دعا إلى نظرية أو وضع أساسًا لنظرية من أدق النظريات الغنوصية والتي استخدمت لدى الإسماعيلية والغلاة فيما بعد"(65).
ولكن مكانة الإمام الباقر البارزة بين المحدثين الذين يلتزمون بالقرآن والسنة، تنفي عنه التأثر بأي مؤثرات خارجية -مثل هذا الأثر الغنوصي الواضح- لأن عالم الحديث الحق "يتحرى الحديث تحريرًا علميًا"(66).
فمن الواضح إذن أن مثل هذه الأقوال منسوبة إليه بواسطة الغلاة.
وبصرف النظر عن تعدد الفرق الشيعية واختلاف حلها وعقائدها وهي الظاهرة الملحوظة من واقع المصادر كلها، فإننا سنلتزم بالسياق الذي يضم سلسلة الأئمة، فننتقل إلى الإمام جعفر الصادق، ثم نعالج بعده بشيء من التفصيل المذهب الزيدي لصلته القريبة بنظرية أهل السنة والجماعة في الإمامة.
6- الإمام جعفر الصادق (148هـ-765م):
هو أبو عبد الله جعفر بن محمد يعتبره الشهرستاني ذا علم غزير وورع تام عن الشهوات، ويسرد موجزًا لتاريخ حياته المتصل بدعوى الإمامة، فيخبرنا أنه أقام بالمدينة يفيض من علومه على الموالين له، فلما انتقل للعراق لم ينازع أحدًا في الخلافة ولم يتعرض لها، ثم يفسر عزوفه عن الخلافة بتعليل دقيق رائع فيقول:
"ومن غرق في بحر المعرفة لم يطمع في شط، ومن تعلى إلى ذروة الحقيقة لم يخف من حط، وقيل: من آنس بالله توحش عن الناس، ومن استأنس بغير الله نهبه الوسواس"(67).
هذا ما يقوله الشهرستاني. ورأيه في هذه النقطة يعبر عن رأي جمهور أهل السنة الذين يقولون: "إنه لم يكن خليفة ولم يطالب بها ولم ينازع" ولكن الشيعة لهم رأي آخر، فهو عندهم لم يخرج داعيًا لنفسه؛ لأنه عمل بمبدأ التقية، فنقلوا عنه قوله: "التقية ديني ودين آبائي"(68).
ولكن الأستاذ الشيح أبو زهرة ينفي عن الإمام الصادق مطالبته بالإمامة بالرغم من أن المتشيعين له بالعراق كانوا ينادون به إمامًا؛ ذلك لأنه رأى خذلانهم لعمه الإمام زيد ثم قتله وصلبه بطريقة منكرة فعلم أن الشيعة في عصره يحرضونه ولن ينصروه، واستكملت تجربة الإمام زيد حلقاتها باستشهاد كل من محمد بن عبد الله بن الحسين في المدينة وأخيه إبراهيم بالعراق فأثرت في نفسه وعزف عن السياسة لاجئًا إلى العلوم يغترف من منابعها(69).
وقد اشتهر الإمام الصادق بعلمه الغزير، ويذهب الشيعة إلى أن مدرسته بالمدينة كانت جامعة إسلامية كبرى تجذب إليها العلماء من أجزاء العالم الإسلامي، وينسبون إليه العلم الموروث عن جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأنه لم يجهل الإجابة على أي سؤال وجه إليه. فمن أقواله التي ينسبونها إليه: "سلوني قبل أن تفقدوني، فإنه لا يحدثكم أحد بمثل حديثي"(70).
ولهذا أصبح جعفر الصادق عند الشيعة هو الذي قام "بنشر الإمامية والمعارف الحقيقية والعقائد اليقينية"(71).
ولا يعارض أهل السنة في وضع الإمام الصادق في المكانة العلمية الممتازة التي يستحقها، فهو عند فيلسوف أهل السنة المتأخر -ابن تيمية- من خيار أهل العلم ولكنه مع هذا لا يوافق على العبارة السابقة التي أوردها الحلي؛ لأنها تعد إما أنه ابتدع في العلم أو أن السابقين عليه قصروا فيه.
وفي اعتقاد مثل هذا التفسير شك في أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوضح لأمته المعارف الحقيقية والعقائد اليقينية، وهو ما لم يحدث.
فإذا جعلت الشيعة للإمام الصادق هذا الدور الذي نسبوه إليه، فإنه يعني القدح في الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فمثل هذه الاعتقادات إذًا دخيلة على الإمام جعفر ومنسوبة إليه كذبًا كأنواع الأكاذيب الأخرى مثل الجفر أو رسائل إخوان الصفا وغيرها المنسوبة إليه خطأ(72).
أما ما عرف عن الإمام الصادق من تنبؤاته بالأحداث المقبلة، فيفسرها أهل السنة بأنها من قبيل الإشراق النفسي، ولا يوافق الأستاذ الشيخ أبو زهرة على ما تذهب إليه الشيعة في اعتقادها بأن علم الإمام الصادق كان إشراقيًا خالصًا وليس كسييًا، ومع أنه لا يبخسه حظه من درجة الإشراق الروحي، إلا أنه يعتبر إمامًا مجتهدًا.
ومما يؤيد هذا:
أولًا: يبني الشيعة عقيدتهم في أن علم الإمام جعفر إلهامي على مقدمتين، أولهما: أن شريعة الله واحدة لكل زمان ومكان، وهو عز وجل رحيم بعباده لم يتركهم هملًا بل ترك فيهم هاديًا ومرشدًا حتى لا يقعوا في الاختلاف، وهو الإمام الذي يبين الشريعة ويهدي إلى السبيل الذي يسلكونه فيما يجد لهم من أحداث. ومن هذا تتفتق المقدمة الثانية، فلابد أن يكون هذا الإمام معصومًا وإلا لما كان ظاهر الحجة. وأصبح كغيره من العلماء وليس قائمًا بحجة الله تعالى في الأرض(73).
ونتيجة المقدمتين فإن الأمام معصوم عن الخطأ، يتلقى العلم بالإلهام، وبوصية من أسلافه.
ولا يسلم الأستاذ الشيخ أبو زهرة بهاتين المقدمتين لأن "أقصى ما تدل عليه حاجة الناس إلى مفسر للشريعة مستنبط لأحكامها، وقد قرر ذلك العلماء"(74).
ولا تدعو الحاجة إلى وجود ملهم بقدر ما تقتضي الحوادث وجود عالم بالكتاب والسنة وإن كان هذا سيدعو إلى الاختلاق في الفروع مما لا ضرر فيه، فالحلول الفقهية على اختلافها شبيهة بتنوع أنواع الدواء، والكتاب والسنة هما الأصل في علاج كل داء اجتماعي. فلا حاجة إذًا إلى إمام معصوم بعد صاحب الرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: يختلف الشيعة في الفروع الفقهية، ولم تمنعهم عصمة الإمام الذين يأخذون عنه من الوقوع في الاختلاف.
ثالثًا: إن العلم الإلهي ينفي الاجتهاد، وهو أمر مقرر بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سلك سبيله في حادثة الأسرى المشهور، ثم نهاه الله تعالى بالآية: ((مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [الأنفال: 67 - 69]، وقد اجتهد الرسول صلى الله عليه وسلم ليعلم المسلمين أن المجتهد يصيب ويخطئ. "وأنه لا يصح لمجتهد أن يدعي لنفسه أنه إن اجتهد لا يخطئ قط. فتكون الفرقة ويكون الانقسام"(75).
رابعًا: لا يصح لأحد أن يدعي العصمة بعد أن أخطأ النبي صلى الله عليه وسلم في الواقعة السابقة ثم أرشده ربه إلى الصواب، فليس لأحد أن يرقى إلى مرتبته. أو يعلو عليه بدعوى العصمة.
خامسًا: ثبت عن الصحابة بما فيهم علي بن أبي طالب، الاختلاف في المسائل الفقهية بل من أقوال أمير المؤمنين علي: "اجتمع رأيي ورأي عمر على عدم بيع الأمة التي استولدها سيدها والآن أرى بيعها"(76).
سادسًا: كان الإمام الصادق على علم تام باختلاف الفقهاء، فهو في مناقشته لأبي حنيفة يبين في المسألة الواحدة ما يراه أهل العراق. وأهل الحجاز وما يراه هو فلو كان يرى العلم بطريق الإلهام فحسب للام المختلفين و لم يعتن بمعرفة اختلافاتهم.
وقد ترك لنا الكليبي في (الكافي) المقابلة التي تمت بين جعفر الصادق والمعتزلة وعلى رأسهم واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد على أثر مقتل الوليد وانشغال المسلمين بمشكلة الخلافة. وقد تكلم الحاضرون أمامه وأكثروا في النقاش فطلب منهما الصادق أن يسددوا أمرهم إلى رجل منهم. ففوضوا عمرو بن عبيد فقال: قد قتل أهل الشام خليفتهم وضرب الله عز وجل بعضهم ببعض وشتت الله أمرهم فنظرنا فوجدنا رجلًا له دين وعقل ومروءة وموضع ومعدن للخلافة وهو محمد بن عبيد الله بن الحسن، فأردنا أن نجتمع عليه فنبايعه، ثم نظهر معه فمن كان تابعنا فهو منا وكنا منه، ومن اعتزلنا كففنا عنه ومن نصب لنا جاهلناه فنصبنا له على بغيه ورده إلى الحق وأهله وقد أحببنا أن نعرض عليك ذلك فتدخل معنا فإنه لا غنى بنا عن مثلك لموضعك وكثرة شيعتك.
فلما سألهم الصادق عما إذا كانوا جميعًا على نفس الرأي أجابوا بالإيجاب.
فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال:
إنما سخط إذا عصي الله أما إذا أطيع رضي. خبرني يا عمرو لو قلدتك أمرها ووليتك بغير قتال ولا مؤونة، وقيل لك ولها من شئت من كنت توليها؟
قال: كنت أجعلها شورى بين فقهائهم وخيارهم. قال: قريش وغيرهم. قال: نعم.
قال: أخبرني يا عمرو أتتولى أبا بكر وعمرًا وتتبرأ منهما؟ قال أتولاهما فقط، فقد خالفتهما ما تقولون أنتم تتولونهما أو تتبرءون منهما؟ قالوا: نتولاهما. قال عمرو: وإن كنت رجلًا تتبرأ منهما فإنه يجوز لك الخلاف عليهما وإن كنت تتولاهما فقد خالفتهما. قد عمد عمر إلى أبي بكر فبايعه ولم يشاور فيه أحد ثم ردها أبو بكر عليه ولم يشاور فيها أحدًا ثم جعلها شورى بين ستة وأخرج منها جميع المهاجرين والأنصار وغير أولئك الستة من قريش وأوصى فيها شيئًا لا أراك ترضى به أنت ولا أصحابك، إذ جعلتها شورى بين جميع المسلمين. قال: آمر صهيبًا أن يصلى بالناس ثلاثة أيام وأن يتشاوروا أولئك الستة ليس معهم أحد إلا ابن عمر يشاورونه وليس له من الأمر شيء، وأوصى من بحضرته من المهاجرين والأنصار إن مضت ثلاثة أيام قبل أن يفرغوا ويبايعوا رجلًا أن يضربوا أعناق أولئك الستة جميعًا، فإن اجتمع أربعة قبل أن تمضي ثلاثة أيام وخالف اثنان أن يضربوا بأعناق الاثنين أفترضون بهذا أنتم؟ فيم تجعلون من الشورى في جماعة المسلمين، قالوا: لا.
ثم قال: يا عمرو! دع ذا، أرأيت لو بايعت صاحبك الذي تدعوني إلى بيعته ثم اجتمعت لكم الأمة فلم يختلف عليكم رجلان فيها فأفضيتم إلى المشركين الذين لا يسلمون ويؤدون الجزية أكان عندكم وعند صاحبكم العلم من يسيرون بسيرة رسول الله في المشركين في حروبه. قال: نعم. قال: فتصنع ماذا؟. قال: أدعوهم إلى الإسلام(77).
وإذا قبلنا جدلًا صحة صدور هذا الحديث عن جعفر الصادق فإننا لا نجد في سطوره معارضة لفكرة الخلافة عند أهل السنة ونظرية الشورى وانتخاب الخليفة بالبيعة.
إنه يعارض خروج محمد بن عبد الله بن الحسن وكان دأبه معارضة الخروج، لقد كان الإمام الصادق عازفًا عن السياسة منغمسًا في بحور العلم فليس من المستبعد أن ينهى عن الخروج للتجارب الأليمة التي عاناها آل البيت.
أما محاورته مع واصل بن عطاء فليس فيها تعرض لأبي بكر وعمر بسوء، فالقدح والسب كان بدعة تورط فيها الشيعة المتأخرون، فكانوا بذلك مدعاة لنفور أهل السنة الشديد منهم.
فمن الثابت أن جعفر الصادق ينتسب من جهة أمه إلى أبي بكر الصديق(78)، فليس بغريب ألا يمس هذا الصحابي الجليل بكلمة تسوؤه. وقد ترجع معارضته -إن صحت- لطريقة البيعة التي تمت بها البيعة للصاحبين إلى احتمال ميله إلى القول بحق جده أمير المؤمنين علي بدلًا منهما.
ومع هذا فإن من المستبعد صدور مثل هذه الآراء منه، وإنما قد حمله إياها الأتباع والأصحاب الذين أسرفوا على أنفسهم وعلى أئمتهم، وها هو البخاري لم يرو عنه حديثه لا لعلة إلا ما عرف عن الأشخاص الذين يترددون عليه ويدعون أنه حدثهم بينما هم كاذبون(79). وقد ظهرت مثل هذه الدعاوي الخاطئة من نسبة الجفر إليه، بينما ينتمي هارون بن سعيد العجلي الذي قيل أنه روى الجفر عن جعفر الصادق -إلى المذهب الزيدي وقد "أنشأ فيما بعد شعرًا يتبرأ فيه من الجفر ومن كل غال في جعفر الصادق"(80)، وحتى إن سلمنا بصحة هذا الجدال وصدوره من جعفر الصادق، فهو لم يخرج في جوهره عما رآه حقًا لجده أمير المؤمنين على بن أبي طالب، ونلمح في حديثه نفس المعنى الذي كتبه الحسن بن علي إلى معاوية يقول له فيه: "وقد تعجبنا لتوثب المتوثبين علينا في حقنا وسلطان نبينا صلى الله عليه وسلم وإن كانوا ذوي فضيلة وسابقة في الإسلام فأمسكنا عن منازعتهم مخافة على الدين أن يجد المنافقون والأحزاب بذلك مغمزًا يثلمونه به..."(81).
___________________________
(1) نشأة الفكر، (ج/2، ص:12).
(2) الإمام الصادق، والمذاهب الأربعة، (ج/3، ص:16).
(3) الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، أصل الشيعة وأصولها، (ص:54-55).
(4) المرجع السابق، (ص:55).
(5) أصل الشيعة وأصولها، (ص:57).
(6) المرجع السابق، (ص:62).
(7) أصل الشيعة وأصولها، (ص:71، 72).
(8) المرجع السابق، (ص:73).
(9) أصل الشيعة، (ص:75).
(10) الشهرستاني، الملل والنحل، (ج/1، ص:195).
(11) أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، (ج/3، ص:19).
(12) أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، (ج/2، ص:279).
(13) أحمد بن حجر الهيتمي الكي (674هـ- 1655م) الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة، (ص:118، 125).
(14) نشأة الفكر، (ج/2، ص:36).
(15) الشيخ محمد كاشف الغطاء، أصل الشيعة، (ص:21).
(16) موسى جار الله، الوشيعة في نقد عقائد الشيعة، ط النجف الأشرف بالعراق، (1353هـ- 1935م).
(17) نشأة الفكر، (ج/2، ص (هـ، و).
(18) الشريف الرضي، خصائص أمير المؤمنين علي، (ص:44).
(19) الشريف الرضى، خصائص أمير المؤمنين، (ص:45، 46).
(20) ابن حجر، تطبيق رقم (2)، بهامش (ص:123)، من كتاب الصواعق المحرقة، خصائص أمير المؤمنين.
(21) نفس المرجع، (ص:134).
(22) القلقشندي، مآثر الإنافة في معالم الخلافة، (ج/1، ص:108) (متوفى في 821هـ).
(23) الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، (ص:65).
(24) ابن حجر، الصواعق، (ص:135).
(25) نشأة الفكر، (ج/2، ص:37).
(26) البغدادي: الفرق بين الفرق، (ص:26).
(27) النوبختي، فرق الشيعة، (ص:24).
(28) النوبختي، فرق الشيعة، (ص:26).
(29) النوبختي، فرق الشيعة، (ص:26).
(30) المصدر نفسه، (ص:27).
(31) نشأة الفكر، (ج/2، ص:38).
(32) ابن حجر: الصواعق المحرقة، (ص:190).
(33) المرجع السابق، (ص:192).
(34) الصواعق المحرقة، (ص:194، 195).
(35) الصواعق المحرقة، (ص: 194، 195).
(36) لابن قتيبة، الإمامة والسياسة، (ج/2، ص:4)، ويقول ابن حجر في الصواعق، (ص:195): ومعه من إخوته وأهله نيف وثمانون نفسًا.
(37) الصواعق المحرقة، (ص:5).
(38) نفس المصدر، (ص:5).
(39) الخوارج والشيعة، فلهوزن، (ص:196).
(40) منهاج السنة، (ج/2، ص:247، 248).
(41) منهاج السنة، (ص:249).
(42) منهاج السنة، (ج/2، ص: 249).
(43) منهاج السنة، (ج/2 ص: 249).
(44) منهاج السنة، (ج/2، ص: 249).
(45) المصدر السابق، (ص: 250، 251).
(46) منهاج السنة، (ج/2، ص: 250، 251).
(47) دونلدسن: عقيدة الشيعة، (ص: 118).
(48) ابن حجر الهيتمي، الصواعق المحرقة، (ص: 198).
(49) نفس المرجع، (ص: 198).
(50) نشأة الفكر الفلسفي، (ج/2، ص: 118).
(51) الشيخ محمد أبو زهرة، الإمام زيد، (ص: 26).
(52) نشأة الفكر، (ج/2، ص: 126).
(53) الشيخ محمد أبو زهرة، الإمام زيد، (ص: 26).
(54) نشأة الفكر، (ج/2، ص: 126).
(55) نشأة الفكر، (ج/2، ص: 126).
(56) نشأة الفكر، (ص: 117- 133).
(57) دونلدس: عقيدة الشيعة، (ص: 124).
(58) المرجع السابق، نفس الصفحة.
(59) أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، (ج/2، ص: 40، 41).
(60) الشيخ محمد أبو زهرة، الإمام الصادق، (ص: 22).
(61) الشيخ محمد أبو زهرة، الإمام الصادق، (ص: 24).
(62) أسد حيدر، الإمام الصادق، (ج/2، ص: 26).
(63) أبي زهرة، الإمام الصادق، (ص: 17).
(64) نشأة الفكر، (ج/2، ص: 136).
(65) المصدر السابق، نفس الصفحة.
(66) منهاج السنة، (142)، نشأة الفكر، (ج/2).
(67) الملل والنحل، (ج/1، ص: 272).
(68) الشيخ محمد أبو زهرة، الإمام الصادق، حياته وعصره، وآراؤه وفقهه، (ص:40).
(69) الشيخ محمد أبو زهرة، (ص: 42).
(70) أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، (ج/3، ص:21).
(71) ابن تيمية، منهاج السنة، (ج/2، ص: 124).
(72) منهاج السنة، (ج/2، ص: 124).
(73) الشيخ محمد أبو زهرة، الإمام الصادق، (ص: 71).
(74) الشيخ محمد أبو زهرة، الإمام الصادق، (ص: 71، 72).
(75) المرجع السابق، (ص: 73).
(76) الإمام الصادق، (ص: 73).
(77) الكليني، مخطوط الكافي، (مكتبة بلدية الإسكندرية، رقم 1299 ب).
(78) نشأة الفكر، (ج/2، ص:206).
(79) نشأة الفكر، (ج/2، ص:207).
(80) نشأة الفكر، (ج/2، ص: 208).
(81) الأصبهاني، مقاتل الطالبيين، (ص: 56).
المصدر: شبكة الألوكة.