إيران والعرب وصراع الثورات
هشام النجار
الأحد 26 مايو 2013 م
<p dir="rtl" style="text-align: center;"> <img alt="إيران والعرب وصراع الثورات" src="http://alburhan.com/upload/userfiles/images/%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9.jpg" style="width: 400px; height: 250px;" /></p> <p dir="rtl" style="text-align: center;"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><font color="red" face="Simplified Arabic" size="4"><b>إيران والعرب وصراع الثورات</b></font></font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">فقدت إيران خلال العامين الماضيين رصيدَها من القيم السياسية التي كانت تناورُ بها ضمن خطابها السياسي الموجَّه، ولم يتبقَّ لها - على صعيد تمددها لإشباع طموحاتها التوسعية - سوى البُعد الطائفي المموَّل، و"سيناريوهات" نشر التشيع كوسيلة أخيرة للحفاظ على نفوذها، بعدَ أن افتضحت تمامًا من خلال مواقفها الأخيرة، وظهر - لمن كان مخدوعًا بشعاراتها وخطاباتها الثورية بالأمس - إفلاسها القيمي والأخلاقي تجاه الشعوب المستضعفة، بعدَ أن شاهدَ العالم كله كيف أن إيران كانت أول من داسَ على شعاراتها القديمة بشأن محاربة الاستكبار وأنظمة الاستبداد ونصرة المستضعفين، عندما تعارض ذلك مع مصالحها وهدد مستقبل نظام الحكم بها.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">في البداية حاولت إيران امتصاصَ الموجات الأولى للثورات العربية بتصدير خطاب توافقي في سبيل احتواء المد الثوري العربي الذي قادته قوى وتيارات إسلامية سُنية؛ لذلك اعتبرت إيران الثورتين المصرية والتونسية - على سبيل المثال - بوادرَ يقظة إسلامية في العالم مستوحاة من الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979م، وقد وردَ هذا الكلام ضمن خطبة جمعة مطولة للمرشد الإيراني على خامنئي يوم 4 فبراير 2011م.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وسرعان ما فقدَ هذا الخطاب قيمته ووضحَ تهافته بعد المواقف الإيرانية - المعلنة وغير المعلنة - المعادية للثورات العربية؛ بداية من السعي بأية وسيلة لإخماد ثورة الشعب السوري الذي ثارَ مُطالبًا بحقوقه المشروعة في وجه نظام الأسد الاستبدادي، وانتهاءً بالسعي حثيثًا لتقويض وإعاقة نجاح الثورة في باقي الدول العربية وعلى رأسها مصر، في محاولات لإفشال النموذج السُّني للثورة ولو بإعادة الشعوب لقبضة الأنظمة الاستبدادية مرة أخرى بأسماء ومسميات جديدة.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">ولذلك لم يكن مُستغربًا أن تتصالحَ وتنسجمَ الرُؤى والمواقف الغربية مع التوجهات الإيرانية في تفاهمات وصلت ذروتها لدرجة تسرب معلومات عن اعتراف أوروبي وأمريكي وشيك بإيران النووية؛ في مقابل الدور "اللوجستي" الإيراني المعهود في حماية المصالح الغربية، كما حدث في العراق وأفغانستان وباكستان، وقد وضحَ ذلك تمامًا في الملف السوري مؤخرًا، والذي لعبت فيه إيران دورًا محوريًّا؛ حيث ساعدت نظام بشار الأسد على الصمود في وجه الثورة بالدعم العسكري والسياسي، وإمداده بالقوات والعتاد، والتوافق مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على عدم مساعدة الثوار عسكريًّا، مع البحث عن حل توافقي يُتيح لبشار الاستمرار في الحكم، مع تصدير خطاب إعلامي يتحدث عن خطر تنظيم "القاعدة" في سوريا، ليكون بديلاً للاستهداف الغربي والإيراني والروسي، وليوفر لنظام بشار الفرصة للبقاء في الحكم أطول مدة ممكنة.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">إيران باتت تلعب على المكشوف مع الثورات العربية، فلم يعد لديها ما تخسره، ولم يعد لشعاراتها القديمة عن نصرة المستضعفين ومحاربة الاستكبار و"الإمبريالية" سُوقًا في البلاد العربية، ومن الصعب بعد مواقفها الأخيرة ترويج القيم السياسية المثلى لدى الشعوب المنتهكة الحقوق في الوقت الذي تفتقد إيران نفسها لهذه القيم، سواء في الداخل الإيراني، أو من خلال مخططاتها لدعم الاستبداد وتقويض التجارب الديمقراطية الناشئة في الدول العربية بعد الثورات.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><font color="blue" face="Simplified Arabic" size="4"><b>وتخشى إيران من وصول المد الثوري العربي السُّني إلى مداه لسببين اثنين:</b></font></font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>الأول:</b> يتعلق بالخوف من تقلص دورها الإقليمي واهتزاز نفوذها في المنطقة، خاصة إذا كُتِبَ للنموذج الثوري العربي النجاح في تعزيز قيم الديمقراطية واحترام الحريات وضمان حقوق الأقليات وتحقيق الكرامة الإنسانية والرفاهية وانتشال الشعوب من الفقر، وهو ما فشلت الثورة الإيرانية في تحقيقه.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>الثاني:</b> هو الخوف الشديد من تأثير الثورات العربية على الداخل الإيراني الغاضب؛ فبعدَ سعيها لتصدير ثورتها للخارج على مدى عقود، جاء اليومُ الذي تخشى فيه إيران من غزو ثوري خارجي لديارها.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">لقد سبقت الثوراتِ العربية حركةُ احتجاج واسعة في الداخل الإيراني رفعت -تقريبًا- نفس الشعارات التي تبنتها هذه الثورات، وعلى رأسها: تحقيق الديمقراطية، وتداول السلطة، ومحاربة الفساد والفقر والبطالة، وحماية الحريات العامة؛ مما اضطرَ السلطة الإيرانية للتعامل بعنف شديد لقمعها، مستخدمة في ذلك نفس أدوات وأساليب النظم السلطوية، كما فرضت إيران قيودًا شديدة على وسائل الاتصال الحديثة التي كان لها دور فعال في إنجاح الثورات العربية، فضلاً عن فرض الإقامة الجبرية على زعيمي حركة المعارضة: مير حسين موسوي، ومهدي كروبي.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">واعتمدت إيران منذ انفجار الثورات العربية على المبادرة واستباق الأحداث، فلم تنتظر لتلامِس هذه الطموحاتُ الثورية العربية الداخلَ الإيراني الظمآن لهذه القيم، إنما نهضت بكامل طاقاتها وقدراتها المادية والمخابراتية والدبلوماسية لمواجهة موجات المد العربي السُّني، الذي أيقنت إيران تمامًا أنه يُمثل تهديدًا مباشرًا لها؛ ليس فقط على مستوى نفوذها الإقليمي، بل أيضًا على مستوى مستقبل نظامها السياسي.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">من أجل ذلك تتعامل إيران بشراسة واستماتة مع الملف السوري الذي تتحرك في نطاقه بكامل ثقلها في المنطقة، ولتسقط شعارات "نصرة المستضعفين"، و"محاربة الاستكبار"،...الخ، فالمهم ألا تسقط الفلسفة الثورية الشيعية في مقابل المد الثوري السُّني القادم لا محالة بعد سقوط نظام الأسد؛ حيث يتوقع جميع المراقبين وراثة الإخوان المسلمين في سوريا لنظام الحكم الحالي في أول استحقاق ديمقراطي، إذا سارت الأمور وَفقَ إرادة الشعب السوري.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وبعدَ أن كانت إيران تتهم الولايات المتحدة الأمريكية بدعم الديكتاتوريات العربية ونظم الحكم المستبدة، أصبحت شريكًا أساسيًّا لها في هذه الجريمة الشنيعة التي كانت تهاجمها قبل ذلك في خطابها الموجَّه؛ فاليوم تدعم وتمول كل ما من شأنه تقويض مسيرة الثورات العربية وإفشال النظم الديمقراطية الناشئة عنها -والتي يقودها في الغالب إسلاميون- لإعادة وضع هذه البلاد إلى ما كانت عليه، ولحرمان هذه الدول من تحقيق الاستقلال الكامل عن الإرادة الغربية أو الإيرانية،</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وليصبح المشهد -إذا أردنا وضع رسم توضيحي- كسهمين متقابلين:</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">السهم الأول: ينطلق من إيران محمَّلاً بالمال والعتاد العسكري والمقاتلين وعناصر الأجهزة الأمنية المتخفِّين؛ وبالسياح الإيرانيين أيضًا قريبًا جدًّا، ومزودًا بالخبرة الشيعية في الاختراق والتمدد والتوغل.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">والسهمُ الثاني المقابل: ينطلق من بلاد الربيع العربي، وعلى رأسها مصر، مُحمَّلاً بالنموذج الثوري الحضاري النقي الذي تفتقده الثورة الشيعية -فهي التي قتلت ونفت وسجنت جميع خصومها، بل وكثيرًا ممن شاركوا الخميني في الثورة- ومحمَّلاً أيضًا بالقيم الديمقراطية الحديثة، ومفاهيم احترام الحريات وتداول السلطة واحترام الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان، تلك المفاهيم التي يفتقدها تمامًا النظام الإيراني في الحكم منذ قيام الثورة في نهاية السبعينيات إلى اليوم؛ حيث غابت إيران طيلة العقود الماضية في كهف "ولاية الفقيه"، وسلطة "الدولة الثيوقراطية" ونفوذ "دولة الملالي"؛ في انتظار صحوة تخرجهم إلى العالم الحديث وحريات القرن الحادي والعشرين، والتي يخشى القادة الإيرانيون أن تهب عليهم من بلاد العرب.</font></p> <p dir="rtl" style="text-align: left;"> <font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><font color="DarkRed" face="Simplified Arabic" size="3"><b>المصدر: الإسلام اليوم</b></font></font></p>
التعليقات