<p dir="rtl" style="text-align: center;">
<img alt="الجهاد" src="http://alburhan.com/upload/userfiles/images/%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%87%D8%A7%D8%AF(1).jpg" style="width: 400px; height: 250px;" /></p>
<p dir="rtl" style="text-align: center;">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><font color="red" face="Simplified Arabic" size="4"><b>الصفوية والصوفية.. خصائص وأهداف مشتركة (12)</b></font></font></p>
<p dir="rtl" style="text-align: center;">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><font color="red" face="Simplified Arabic" size="4"><b>الجهاد</b></font></font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">قال ابن عباس رضي الله عنهما: "لا يأتي على الناس زمان إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا فيه سنة، حتى تحيا البدع وتموت السنن" <font face="Simplified Arabic" size="3">[أخرجه الطبراني في الكبير10/ 319]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><font color="blue" face="Simplified Arabic" size="4"><b>الفريضة السادسة الجهاد:</b></font></font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">الجهاد كلمة ذات مفعول سحري للعباد؛ لأنها الوجه الثاني للجنة، لذلك كانت رغبة المسلمين الأوائل تتركز على الجهاد والشهادة في سبيل الله ورسوله، وليس من أجل الحور والغلمان وأنهار من الخمر والعسل كما يصورها المغرضون والحاقدون؛ لأن هذه المزايا موجودة على الأرض ويمكن الحصول عليها بسهولة، لكن البعض سيما الصفويين يحاولون تسفيه هذه الفريضة التي تعد السادسة؛ لأن تأريخهم مبني على الخيانة والغدر والتعاون مع بقية الأديان ضد العرب المسلمين، إن من يحرر نفسه من فريضة الجهاد، لا يُستبعد منه تسفيهها وتشويه صورة المجاهدين، والذكر الحكيم يزخر بآيات حول أهمية الجهاد منها: <font color="blue" face="Simplified Arabic" size="4"><b>﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾</b></font><font face="Simplified Arabic" size="3"> [النساء:95]</font>، وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">حصر الصفويون فريضة الجهاد بظهور القائم، وهي فكرة مأخوذة من اليهودية أيضاً؛ فلا جهاد عندهم إلا بخروج المسيح المنتظر، مع أن اليهود لم يلتزموا بهذه الفكر، فقد قاتلوا وجاهدوا في سبيل كيانهم المسخ، لكن الصفوية ملتزمة بهذه الفكرة! فلا جهاد إلا بظهور القائم.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">عن أبي عبد الله قال: "القتال مع غير الإمام المفترض، طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير" <font face="Simplified Arabic" size="3">[وسائل الشيعة: 11/32]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وجاء أيضاً: "عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله (ع): جعلت فداك! ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ فقال: الويل! يتعجلون قتلة في الدنيا، وقتلة في الآخرة، والله ما الشهيد إلا شيعتنا، ولو ماتوا على فرشهم" <font face="Simplified Arabic" size="3">[التهذيب للطوسي 2/42]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وقد وصل بهم الاستهتار بهذه الفريضة بأن يشيعوا بين أتباعهم من الجهلة والسذج: "إذا مات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدًا، ومن أدرك قائمنا فقتل معه كان له أجر شهيدين" <font face="Simplified Arabic" size="3">[بحار الأنوار52/123]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وهذا شيخهم الخرف البحراني يفرد باباً بعنوان: "أن شيعة آل محمد شهداء، وإن ماتوا على فرشهم" <font face="Simplified Arabic" size="3">[المعالم الزلفى/ 101]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وجاء في الوافي: "الجهاد مع غير الإمام حرام، مثل حرمة الميتة والخنزير، ولا شهادة إلا للشيعة".</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">ويلاحظ أن موقف الصفويين من الجهاد كالطين الاصطناعي يشكلونه حسبما يريدون، فهم يمجدون مثلاً جهاد الخميني ضد الشاه رغم أنه لم ينتظر القائم؟ وقد دعا الخميني محمد باقر الصدر للجهاد ضد البعث وهو يعرف أن ذلك لا يجوز شرعاً.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">ولا نفهم لماذا يرفعون راية المهدي ويدوسون راية جده الإمام علي (رض) القائل: "أنا صمصام الجهاد" <font face="Simplified Arabic" size="3">[شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي22/ 351]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>وللحقيقة والتأريخ</b> فإن بعض المراجع لم يتعاملوا بجدية مع فكرة تأجيل الجهاد لغاية ظهور المهدي.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">مثال على ذلك: في عام 1911 بعد احتلال الروس والبريطانيين لأجزاء من إيران واحتلال إيطاليا لطرابلس الغرب وبنغازي. كما أصدر آية الله العظمى كاظم اليزدي فتوى دعت جميع المسلمين إلى الجهاد والتضحية بالنفس لطرد القوى الاستعمارية الغاشمة، وعزم على قيادة المجاهدين المتطوعين الذين سلحتهم العشائر بنفسه، لكن وفاته رحمه الله عشية الرحيل ألغت العملية بمجملها <font face="Simplified Arabic" size="3">[سياحة شرق لقوجاني/علي الوردي لمحات اجتماعية/3]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">كذلك بعد نزول القوات البريطانية في البصرة بتأريخ 6/11/1914 انطلقت دعوات الجهاد في جميع مساجد العراق، وأرسل مبعوثون من العتبات المقدسة إلى العشائر لحثهم على الجهاد، وبلغ عدد المجاهدين حينذاك أكثر من (18000) وضعوا تحت القيادة التركية، وكان على رأس المجاهدين شيخ الشريعة الأصفهاني والشيخ مهدي الخالصي ومحمد سعيد الحبوبي ومصطفى الكاشاني ومهدي الحيدري والسيد محسن الحكيم <font face="Simplified Arabic" size="3">[ماضي النجف وحاضرها لجعفر محبوبة]</font>، حتى أن نجل المرجع الأكبر مرزا محمد تقي الشيرازي إبان الاحتلال البريطاني للعراق وزع منشوراً تضمن: "الواجب على عموم المسلمين أداء فريضة الدفاع عن حوزة الدين المبين وصيانة المشاهد المشرفة من تلوث الكافرين، ومحافظة نواميسكم الأطهار عن تعديات الكفرة" <font face="Simplified Arabic" size="3">[عبد الرزاق الحسني/ العراق في دوري الاحتلال والانتداب]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">لكن الصفويين كان لهم مواقف مغايرة تجاه الجهاد، وآخرها موقف السيستاني من الغزو الأمريكي للعراق، فهذا العميل لم يكتف بتجميد فريضة الجهاد، بل أفتى بالتعاون مع قوات الغزو! وكان الدرع الحصين لحماية صدور المعتدين. ولم يكن موقفه غريباً، فرسالته العلمية التي سرقها من سلفه الخوئي ونسبها لنفسه حذف منها ما كُتب عن الجهاد (بضعة أسطر) حيث استعظمها فألغاها، ومن العجيب أن يحظى اللواط والزنا ونكاح الدبر والنفاس باهتمام المرجع الأعلى فيتحدث عنه بالتفصيل الممل، دون أن يحظى الجهاد باهتمامه أية رسالة علمية دينية تلك التي لا تتطرق لفضيلة الجهاد مطلقاً؟ ويمكن الرجوع إلى مذكرات بريمر ورامسفيلد حول اشتراك المرجع العميل في المؤامرة العظمى مع الأمريكان والصهاينة وقومه الفرس في احتلال العراق.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">إن كنت مسلماً؛ بغض النظر عن مذهبك فإنك لا تحتاج إلى دعوة شيخ ولا فتوى مرجع لتجاهد ضد الأعداء عندما يحتلون وطنك ويدنسونه. القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تسد فم كل شيخ ومرجع مهما كان موقعه لا يقر بالجهاد، ورفضها أو السكوت عنها هو افتراء على الله ونبيه المصطفى، لنرجع إلى القرآن والسنة فهما الفصل في هذا الأمر.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>من جهة:</b> أخرى هل يجوز الفتوى بالجهاد ضد الغزاة وهم خارج دارك، وإبطالها وهم داخل دارك ينتهكون ويقتلون ويسرقون، ويعيثون فساداً في كل مرافقه؟</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">حذا المتصوفة حذو الصفويين فعزفوا عن الجهاد ضد أعداء الإسلام، حيث اخترعوا لأنفسهم الضالة حديثاً ونسبوه للنبي صلى الل عليه وسلم: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، والجهاد الأكبر هو الجهاد ضد نوازع النفس البشرية، والحقيقة هي عكس ذلك، فالجهاد ضد النفس يسبق الجهاد الأصغر، وهو الذي يحفز إليه! ثم كيف نعتبر الجهاد في سبيل الله ورسالته جهادا أصغر والجهاد مع النفس جهادا أكبر؟ وكيف نبرر استمرار الجهاد الأصغر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والمتمثل بالفتوحات الإسلامية ومن بعدها الحروب الصليبية؟</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>ويذكر أبو الحسن الشاذلي أن الجهاد يكون بمقارعة أربعة أوكار شيطانية:</b> أولهما: وكر للشهوة يحرض على ارتكاب المعاصي والكبائر. ثانيهما: وكر للشهوة يحارب الطاعات التي فرضتها الشريعة الإلهية. ثالثهما: وكر للشهوة تعزز الميل الى الراحة والكسل. والأخير: وكر للشهوة يجعل الإنسان عاجزاً عن أداء الواجبات الشرعية. وهي نفس رؤية الغزالي حيث يسميها القوى الشهوانية، والغضبية، والشيطانية، والربانية.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">ويفسر لنا الشيخ الحسن القزاز الجهاد الأكبر بأن لا تأكل إلا عند الفاقة، ولا تنام إلا عند الغلبة، وأن لا تتكلم إلا عند الضرورة <font face="Simplified Arabic" size="3">[الغنية لعبد القادر الجيلاني2/182]</font>، ويمكن أن تعتبرها طريقة للمعيشة، أو أدب المعاشرة، ولكن ما علاقتها بفريضة الجهاد؟</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">هي أمور ذاتية تخص الفرد نفسه ولا علاقة لها بالدفاع عن الوطن والعقيدة، ويذكر ابن تيمية أن الإفراط في حسن الظن بالصوفية جعل الناس يؤمنون بمعتقدهم وينكرون الجهاد والدفاع عن بيضة الإسلام فوقعوا فريسة سهلة في يد التتار والمغول.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">والمصيبة أنهم يدعون بأن لديهم القدرة على دحر جيوش الظالمين والمعتدين، لكنهم لا يستخدمونها! فقد ذكر الإمام الغزالي أنه بعد دخول الزنج إلى بغداد قتلوا الأنفس، ونهبوا الأموال، اجتمع إلى سهل إخوانه وناشدوه: لو سألت الله تعالى دفعهم (أي الزنج) فقال: إن لله عباداً في هذه البلدة لو دعوا على الظالمين لم يصبح على وجه الأرض ظالم إلا ومات في ليلة واحدة، ولكنهم لا يفعلون! وعندما استفسروا عن السبب؟ أجاب: لأنهم لا يحبون ألا يحب! <font face="Simplified Arabic" size="3">[إحياء علوم الدين4/305]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>حسناً</b> إذا كان الله لا يحب قتل الظالمين فلماذا لعنهم؟ ولماذا أحل الجهاد ضدهم؟ ولماذا لم يجعل لهم شفيع كما جاء في سورة غافر: <font color="blue" face="Simplified Arabic" size="4"><b>﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ﴾</b></font><font face="Simplified Arabic" size="3"> [غافر:18]</font>، وكيف نفس الحديث النبوي الشريف: <font color="green" face="Simplified Arabic" size="4"><b>«إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه»</b></font> <font face="Simplified Arabic" size="3">[سنن ابي داود 2/436]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">دخل الصليبيون القدس عام 492هـ بعد اتفاقهم مع العبيديين على أن تكون حصتهم جنوب بلاد الشام، ويأخذ الصليبيون شمالها، لكن الصليبيين كعادتهم نكثوا باتفاقهم مع العبيديين، لذلك غير العبيديون حلفاءهم الصليبيين بالسلاجقة، فكانوا يهجمون على الصليبيين من جهة الجنوب، ويهجم السلاجقة من جهة الشمال، وكان أوج تعاونهم في معركة عام 498هـ و499هـ وحصار يافا عام 518هـ، ومن المعروف أن الإمام الغزالي وابن عربي والشاذلي وابن الفارض وعدد غير قليل من المتصوفة عاصروا مآسي الحروب الصليبية، وسقوط بيت المقدس، ولكنهم لم يحركوا ساكناً لا قولاً ولا فعلاً. كأن الأمر لا يعنيهم! وهم يشهدوا أقوى غارة وعدوان على العالم الإسلامي، في الوقت نفسه وقف فيه عدد من الفلاسفة والكتاب النصارى ضد هذه الحروب ووصوفها بالعدوان. <font face="Simplified Arabic" size="3">[للمزيد راجع كتاب تأريخ الدولة العباسية الثانية/ محمود شاكر]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">ومن الطريف أن يتحدث المتصوفة عن الشيخ مسلم بن نعمة السروجي بأنه لما دخل الكفرة الفرنج والأرمن مدينة سروج وقتلوا ونهبوا وحرقوا وأسروا، كل هذا ولم يحرك الشيخ السروجي ساكناً، ولكن عندما اقتربوا من زاويته "خرج وأشار بيد الكريمة برجوعهم فرجعت الخيل قهراً، لا يستطيعون ردٌها بوجه، وقتل منهم خلق عظيم، وكذلك الخيل". بطولات كاذبة من وحي مخيلتهم المريضة، ولا أصل لها في تأريخ الحروب الصليبية. عندما يحتل الوطن لا يحرك الشيخ ساكناً، وعندما يقتربون من صومعته تبدأ قوته الخارقة في الدفاع عنها، فقد اختزل الشيخ الوطن كله بصومعته.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">عندما شارفت القوات الفرنسية على دخول مدينة القيروان استعد المجاهدون للدفاع عنها، وسألوا المتصوف (سيدي أحمد الهادي) إمام مسجد القيروان ليستشير ضريح شيخ المسجد، فدخل الضريح وخرج قائلاً: "ينصحكم الشيخ بالتسليم فسقوط البلاد بات محتماً"! فدخلها الفرنسيون عام 1881 بسلام، بلا مشقة ولا قتال ولا تضحيات. <font face="Simplified Arabic" size="3">[للمزيد راجع كتاب المسألة الشرقية - مصطفى كمال]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وفي الجزائر ساعد (سيدي أحمد صاحب السجادة التيجانية) عام1684 الفرنسيين بقيادة (الدوق دوماك) على احتلال مدينة بسكرة، وقد تزوج من فرنسية (أوريلي بيكار) بالطريقة الكنسية على يد (الكردينال لافيجري) فكان أول جزائري مسلم يتزوج بأجنبية مسيحية، وذلك عام1870! وقد روت بيكار قصة زواجهما في كتابها (أميرة الرمال) وكيف خلفها التيجاني مع أخيه على السجادة التيجانية! علما أنها حصلت على وسام رفيع من حكومة الاحتلال الفرنسي على مجهوداتها؛ فيا ترى ما هي مجهوداتها؟! كما جاء على لسان قائد عسكري فرنسي: "تمكنت الحكومة الفرنسية من جمع المتصوفة الذين استمالتهم وحمتهم".</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وكذلك الأمر في موريتانيا وجنوب غرب أفريقيا، فقد ذكر بول أودينو: "كانت التيجانية منذ عام1911 تقدم لنا العون ونستثمر نفوذها القوي" <font face="Simplified Arabic" size="3">[تأريخ المغرب العربي/ روم لاندو]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وفي السودان ساهم مقدم الطريقة التيجانية (سيدي مالك عثمان) عام1913 باحتلال السودان، وتعاون أتباع الطريقة الختمية والسيد الميرغني مع القوات البريطانية في احتلال بلادهم فأجهضوا الثورة المهدية في مهدها، وكذلك أثناء احتلال بريطانيا للهند امتنع الشيخ أحمد رضا (مؤسس الطريقة البريلوية) عن مقارعة الغزاة بدعوى: "لا جهاد علينا مسلمي الهند حسب ما ورد في القرآن"! <font face="Simplified Arabic" size="3">[البريلوية لإحسان ألهي/43]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>فهل ورد في الشرع نصاً يعفي المسلمين من الجهاد؟</b></font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وعندما احتل الفرنسيون المغرب وشمال أفريقيا تعاون معهم اتباع الطريقة التيجانية، ويذكر د. عمر فروخ بأنه: "ليس من المستغرب أن يغدق المستعمرون الجاه والمال على الصوفية، فرب مفوض سامي لا يستقبل وجوه البلاد، ويسعى لزيارة حلقة ذكر. أليس التصوف على هذا الشكل يقتل عنصر المقاومة في الأمم؟" <font face="Simplified Arabic" size="3">[التصوف في الإسلام]</font>، كما أقام هاشم العيطة شيخ الطريقتين السعدية والبدرية في سوريا حلقة ذكر للمعتمد البريطاني (الجنرال سبيرس)، وأشاد في الختام بالملك جورج السادس ورئيس الوزراء ونستون تشرشل خلالها الذكر <font face="Simplified Arabic" size="3">[للمزيد راجع يوميات الخليل/ خليل مردم بك]</font>، وكان الفرنسيون على تعصبهم في الجزائر يسمحون للشيوخ بإقامة حلقات الذكر، ويحضرون بعضها، مما حدا بالشيخ عبد الحميد بن باديس إلى محاربة الطرق الصوفية.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">إن عدم المشاركة في الجهاد والتعاون مع أعداء السلام لا يمكن تبريرها أو قبولها تحت أي مسوغات، إنها لطخة عار ثابتة في الجبين ولا تمحى، ونستذكر تأريخياً رسالة العتاب التي كتبها ابن المبارك للفضيل بن عياض الذي تذرع بانشغاله بالعبادة في تبرير عدم مشاركته بحماية الإسلام من غزو اعدائه.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">كما أن المتصوفة أنفسهم يقولون: "إن التصوف أن تضحي بنفسك، لا أن تتكلم كلام الصوفية"، لكنهم يجاهدون في صومعاتهم وليس في ميادين الوغى.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">يذكر حسين جوزو بهذا الصدد: "في الوقت الذي كانوا يذكرون فيه الكشف والكرامات الواقعة على أيدي بعض المشايخ، ومنها إحياء الموتى! كان العالم الإسلامي يتعرَّض لصنوف المحن والشدائد" <font face="Simplified Arabic" size="3">[الإسلام والعصر لحسين جوزو]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">وشتان بين الحاليين يحيون الموتى من جهة، ويتركون الأحياء يموتون على أيدي الغزاة من جهة أخرى!</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">ونتساءل بدورنا إذا كان الغزو الصليبي والمغولي والاستعماري القديم والحديث والصهيوني وما ارتكبوه من مجازر وحشية وإبادة بشرية ضد العرب والمسلمين لم يشحن بطارية الجهاد عند المتصوفة ويولد كرامات للوقوف ضد المعتدين؛ فلا خير فيهم ولا صحة لكراماتهم.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">أن تأثير شيوخ الصوفية وعلماء الصفوية على أتباعهم ومريديهم كان أمضي سلاح استخدمته قوى الاستعمار القديم والحديث؛ لذا كان تحركهم أولاً على المراجع والشيوخ قبل أو خلال الاحتلال لخطب ودهم أو على أقل تقدير ضمان حيادهم.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">إن كسب المراجع والشيوخ للغزاة يعني ضمان الآلاف، وربما الملايين من الأتباع؛ لذلك عمل المراجع على ترسيخ فكرة العصمة والطاعة عند أتباعهم، والتسليم المطلق بآرائهم، والاستحواذ على عقولهم، وتطويع إرادتهم حسب أهوائهم، واعتبروا الانحراف عن خط الطاعة يعني الانحراف عن الإيمان، ثم تمادوا في غيهم فاعتبروه الشرك بالله.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">ويذكر الأستاذ التليلي العجيلي: "أصبح المريد رهين أوامر الشيخ الذي لا يرفض له قولاً ولا يعترض له على أمر، فاستغل المشايخ نفوذهم في التحكم والتصرف في أتباهم، ليس وفق هواهم فحسب، بل وفق ما تمليه عليهم القوى الاستعمارية" <font face="Simplified Arabic" size="3">[الطرق الصوفية والاستعمار الفرنسي/34]</font>.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">هذا الذي نحذر منه، وفيه الإجابة الشافية عن سبب انشغالنا بهذا الموضوع، كما تساءل بعض القراء الأفاضل، قوة جماهيرية مهمة يمكن لمرجع أو شيخ أن يفعلها أو يعطلها، والتجربة في العراق أفضل برهان على هذه الحقيقة، لكن هذا لا يعني بأن جميع الفصائل الصوفية والإمامية كانت بعيدة عن الجهاد، صحيح أن الغالبية تقف ضده، لكن لكل قاعدة شواذ. مثلاً في الوقت الذي خدمت الطريقة التيجانية الاستعمار الفرنسي في الجزائر، كان للطريقتين القادرية والروحانية دوراً مشرفاً في مقارعته، وفي توس حدث العكس، فقد خدمت الطريقتان الرحمانية والقادرية الاستعمار الفرنسي (حيث طالبت القادرية بتحالف فرنسي إسلامي، وكان شيخ الطريقة محمد شعبان في استقبال القوات الفرنسية الغازية، لكن بعض الزوايا من نفس الطريقتين قارعوا الاستعمار)، وكذلك الطريقة السلامية والشابية (سلموا رجال المقاومة الوطنية للقوات الفرنسية)، والتيجانية (أوصى شيخها القبائل بالتزام الهدوء وعدم المقاومة).</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>وتلاحظ ظاهرة استعمارية مهمة تخص التعامل مع المراجع والشيوخ الذين يجندوهم لخدمتهم، وهي:</b> بعد أن تتوطد عرى الاستعمار في البلد يقوم تدريجياً بسحب البساط من تحتهم من خلال إنهاء نفوذهم المادي والمعنوي، أو بتقليص امتيازاتهم، كالسيطرة أو التهديد بالسيطرة على مواردهم المالية أو كشفها للمواطنين، وأحياناً التهديد بفضح تعاونهم مع الغزاة وإسقاطهم شعبياً. وهذا ما لاحظناه في العراق، فبعد الغزو الأمريكي الغاشم كشف بول بريمر ورامسفيلد هوية أحد أكبر عملائهم في العراق، وهو سماحة آية العمالة العظمى السيستاني.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt"><b>نود أخيراً </b>أن نوضح أن المتصوفة نسبوا لبعض الثوار والزعماء السياسيين انتسابهم لمذهبهم، وهي أكذبوبة يحاولون ترويجها على البعض، لربما كان البعض قد أبدى إعجابه بإحدى طرقهم، أو حضر حلقات ذكرهم، أو اتصل بشيوخهم، لكن هذا لا يعني أنه أصبح شيخاً متصوفاً.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">الصوفية عقيدة وفيها مراتب؛ لذلك فمن يدعي العكس نطالبه بأن يذكر لنا المرتبة للزعيم التي وصلها في سلم التصوف! وهل يحمل نفس أفكار شيوخ التصوف التي سبق أن أشرنا إليها؟</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">الصوفية كحركة شعوبية تحاول أن لا تظهر على السطح أية توجهات سياسية؛ لذلك لم نشهد لهم كتابات في السياسة أو تقرب من الحكام؛ بل على العكس من ذلك وفقاً لعقيدة التقية، وفي تأريخ الصوفية لم نشهد سوى حالات محدودة جداً حاربت فيها الاحتلال، من أبرزها في الماضي القريب السنوسية التي أسسها محمد بن علي السنوسي (ولد في الجزائر وتوفي في ليبيا1859)، وقد كان لهم دوراً مهماً في مقاومة الاحتلال الفرنسي، وفي الوقت الحاضر رجال الطريقة النقشبندية، وهم من أبرز فصائل المقاومة الوطنية البطلة ضد الاحتلال الأمريكي الصهيوني الفارسي للعراق.</font></p>
<p dir="rtl" style="text-align:justify;text-kashida:0%">
<font face="Simplified Arabic" style="font-size: 14pt">والحق أن أبطال هذه الطريقة فرسان للحق رفعوا راية الجهاد خفاقة في سماء العراق، وسجلوا ملاحماً بطولية سُطرت بماء الذهب سيذكرها التأريخ بفخر، وتتذاكرها الأجيال بفخر واعتزاز.</font></p>