زيد بن علي وأهل الكوفة
مدير الموقع
الأحد 5 مارس 2017 م
<p dir="rtl" style="text-align: center;"> </p><p dir="rtl" style="text-align: center;"><img src="http://alburhan.com///upload/userfiles/images/2017/3/زيد.jpg" style="width: 400px;"><font face="Simplified Arabic" size="4"><font face="Simplified Arabic" size="4" color="red"><b><br></b></font></font></p><p dir="rtl" style="text-align: center;"><font face="Simplified Arabic" size="4"><font face="Simplified Arabic" size="4" color="red"><b>زيد بن علي وأهل الكوفة</b></font></font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4"><b><font face="Simplified Arabic" size="4" color="red"></font></b>لا شك أنّ أكبر خطأ استراتيجي في خروج زيد بن علي هو اعتماده على أهل الكوفة كطاقة بشرية للخروج معه على الحاكم الظالم.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4"><b>أولاً: الغدر والخيانة من الذين زعموا حبه من أهل الكوفة.</b></font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">لما حدث الظلم من بني أمية للرعية أيام خلافة هشام بن عبد الملك، وحدث في تصرّف هشام وعماله إهانات وإساءة لزيد بن علي؛ لم يطق الإمام زيد العيش مسالماً لهشام بن عبد الملك وعماله، فبـدأ أهل الكـوفة يأتون إلى زيـد بن علي يحثونه ويناشدونه على الخروج، وأنهم سيكونون معـه، ويقاتلون بني أمية.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">يقول الأصفهاني لما خرج زيد بن علي من الكوفة ووصل القادسية أتته الشيعة فقالوا له أين تخرج عنّا رحمك الله ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة، وخراسان يضربون بني أمية بها دونك، وليس قبلنا من أهل الشام إلا عدة يسيرة فأبى عليهم، فما زالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق، فقال له محمد بن عمر أذكرك الله يا أبا الحسين لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك، فإنهم لا يفون لك، أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي؟ قال أجل. وأبى أن يرجع(1).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">وقد كان زيد بن علي شَاوَرَ أخاه أبا جعفر بن علي بن الحسين بن علي، فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة، إذ كانوا أهل غَدْر ومَكْر، وقال له بها قتل جدُّكَ علي، وبها طعن عمك الحسن، وبها قتل أبوك الحسين، وفيها وفي أعمالها شتمنا أهْلَ البيت، وأخبره بما كان عنده من العلم في مدة ملك بني مروان، وما يتعقبهم من الدولة العباسية، فأبى إلا ما عزم عليه من المطالبة بالحق(2).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">وأقبلت الشيعة وغيرهم يختلفون إليه، يبايعون حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة، سوى أهل المدائن، والبصرة، وواسط، والموصل، وخراسان، والري، وجرجان(3).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">فأقام بالكوفة بضعة عشر شهراً إلا أنه قد كان منها بالبصرة نحو شهرين ثم أقبل إلى الكوفة فأقام بها وأرسل إلى أهل السواد وأهل الموصل رجالاً يدعون إليه(4) وكان زيد ينزل في الكوفة في منازل شتى حتى يختفي عن أعين الأمويين، مرةً في دار امرأته في الأزد، ومرة عند أصهاره السلميين، ومرة عند نصر بن خزيمة في بني عبس، ومرة في بني غبر، ثم إنه تحول من بني غبر إلى دار معاوية بن إسحاق، وكانت بيعته التي بايع الناس ندعوكم إلى كتاب الله، وسنة نبيه، وجهاد الظالمين، والدفع عن المستضعفين، وإعطاء المحرومين، وقسم هذا الفيء بين أهله بالسواء، ورد المظالم، ونصرنا أهل البيت على من نصب لنا. فإذا قال القائل نعم، وضع يده على يده وقال عليك عهد الله وميثاقه، وذمة الله وذمة رسوله لتفين بيعتين ولتقاتلن عدوي، ولتنصحن لي في السر والعلانية. فإذا قال نعم. مسح يده على يده، ثم قال اللهم اشهد(5).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">ولما تمت البيعة للخروج على هشام بن عبد الملك من قبل أهل الكوفة لزيد بن علي، بدأ زيد يجهز نفسه، ويعد العدة، فلما أمرهم بالتأهب للخروج والاستعداد، أخذ من كان يريد الوفاء له بالبيعة فيما أمرهم به من ذلك. فانطلق سليمان بن سراقة إلى يوسف بن عمر فأخبره خبره، وأعلمه أنه يختلف إلى رجل منهم، يقال له عامر وإلى رجل من بني تميم يقال له طعمة ابن أخت لبارق، وهو نازل فيهم، فبعث يوسف يطلب زيد بن علي في منزلهما، فلم يوجد عندهما، وأخذ الرجلان فأتى بهما فلما كلمهما استبان له أمر زيد وأصحابه، وتخوف زيد بن علي أن يؤخذ فتعجل قبل الأجل بينه وبين أهل الكوفة، وعلى أهل الكوفة يومئذ الحكم بن الصلت، وعلى شرطه عمرو بن عبد الرحمن، رجل من القارة، وكانت ثقيف أخواله، وكان فيهم ومعه عبيد الله بن العباس الكندي في أناس من أهل الشام، ويوسف بن عمر بالحيرة فلما رأى أصحاب زيد بن علي الذين بايعوه أن يوسف بن عمر قـد بلغه أمر زيد، وأنه يدس إليه، ويستبحث عن أمره، اجتمعت إليه جماعة من رؤوسهم. فقالوا رحمك الله ما قولك في أبي بكر وعمر؟</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">قال زيدٌ -رحمهما الله- وغفر لهما، ما سمعت أحداً من أهل بيتي يتبرأ منهما، ولا يقول فيهما إلا خيراً. قالوا فلم تطلب إذاً بدم أهل هذا البيت إلا أن وثبا على سلطانكم، فنزعاه من أيديكم. فقال لهم زيد إنّ أشدّ ما أقول فيما ذكرتم أنا كنّا أحقّ بسلطان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الناس أجمعين، وإنّ القوم استأثـروا علينا، ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كُفراً، وقد وُلوا فعدلوا في الناس، وعملوا بالكتاب والسنة. قالوا فلـم يظلمك هؤلاء، وإن كان أولئك لم يظلموك فلم تدعو إلى قتال قوم ليسوا لك بظالمين؟</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">فقال وإنّ هؤلاء ليسوا كأولئك، إنّ هؤلاء ظالمون لي ولكم ولأنفسهم، وإنّما ندعوكم إلى كتاب الله، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وإلى السنن أن تحيا، وإلى البدع أن تطفأ، فإن أنتم أجبتمونا؛ سعدتم، وإن أنتم أبيتم؛ فلست عليكم بوكيل؛ ففارقوه ونكثوا بيعته، وقالوا سبق الإمام وكانوا يزعمون أن أبا جعفر محمد بن علي أخا زيد بن علي، هو الإمام وكان قد هلك يومئذ، وكان ابنه جعفر بن محمد حياً، فقالوا جعفر إمامنا اليوم بعد أبيه، وهو أحق بالأمر بعد أبيه، ولا نتبع زيد بن علي، فليس بإمام فسماهم زيد الرافضة(6) ولم يكن يعلم الإمام زيد إلى ما كان يخططه هؤلاء من بغض للصحابة عامة والشيخين خاصة، واستغلوا الموقف الحرج لزيد من أجل أن يرضخ لمطالبهم لكنّ الله أحبط مكيدتهم التي دبروا لها في جعل زيد يتبرأ من الشيخين؛ بثبوته؛ حتى ولو أدى ذلك إلى قتله واستشهاده - رحمه الله -، وأصبح زيد فكان الذين وافوه في الليل مائة وثمانية عشر رجلاً، فقال زيد سبحان الله أين الناس فقيل هم في المسجد الأعظم محصورون، فقال لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر، وسمع نصر بن خزيمة النداء؛ فأقبل إليه، فلقي عمر بن عبد الرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيله من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكمة في الطريق الذي يخرج إلى مسجد بني عدي، فقال نصر بن خزيمة يا منصور أمت، فلم يرد عليه شيئاً، فشد عليه نصر وأصحابه، فقتل عمر بن عبد الرحمن وانهزم من كان معه، وأقبل زيد بن علي من جبانة سالم حتى انتهى إلى جبانة الصائديين، وبها خمسمائة من أهل الشام فحمل عليهم زيد بن علي فيمن معه فهزمهم، وكان تحت زيد بن علي يومئذ برذون أدهم بهيم اشتراه رجل من بني نهد بن كهمس بن مروان النجاري بخمسة وعشرين ديناراً، فلما قتل زيد بعد ذلك أخذه الحكم بن الصلت(7).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">انتهى زيد بن علي إلى دار أنس بن عمرو الأزدي وكان فيمن بايعه وهو في الدار فنودي فلم يجب وناداه زيد فلم يخرج إليه فقال زيد ما أخلفكم قد فعلتموها الله حسيبكم(8).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">فلما رأى زيد خذلان الناس إياه، قال يا نصر بن خزيمة أخاف أن يكونوا قد فعلوها حسينية، قال أمّا أنا والله لأقاتلنّ معك حتى أموت، وإنّ الناس في المسجد فامض بنا نحوهم، فلقيهم عبيد الله بن العباس الكندي عند دار عمر بن سعد؛ فاقتتلوا؛ فانهزم عبيد الله وأصحابه وجاء زيد حتى انتهى إلى باب المسجد فجعل أصحابه يدخلون راياتهم من فوق الأبواب ويقولون يا أهل المسجد اخرجوا من الذل إلى العز اخرجوا إلى الدين والدنيا فإنكم لستم في دين ولا دنيا فرماهم أهل الشام بالحجارة من فوق المسجد وكانت يومئذ مناوشة بالكوفة في نواحيها. وقيل في جبانة سالم(9) أيقن زيد بن علي أن أهل الكوفة قد فعلوها وغدروا به، ونقضوا البيعة، لكنه قاتل وثبّت الذين معه حتى إذا جنح الليل، رُمي بسهم فأصاب جانب جبهته اليسرى فنشبت في الدماغ فرجع ورجع أصحابه ولا يظن أهل الشام أنهم رجعوا إلا للمساء والليل وانطلق أصحابه فجاؤوا بطبيب يقال له شقير مولى لبني رؤاس فأنزع النصل من جبهته وأنا انظر إليه فوالله ما عدا أن أنزعه جعل يصيح ثم لم يلبث أن قضـى ومات(10).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">إن الناظر فيما صنع أهل الكوفة من غدر وخيانة، ونقض للبيعة التي عاهدوا بها الإمام زيد بن علي يبين حقيقة الذين يزعمون حبه ومكانته، مع أنّهم هم الذين حرضوه على الخروج ووعدوه بالتأييد والنصرة، والذين غدروا به صنفان</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">الصنف الأول الرافضة الذين رفضوه وتركوا نصرته؛ بسبب رفض زيد بن علي سبّ الشيخين أبي بكر وعمر، قالوا له إنا ننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر، اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب. فقال زيد إني لا أقول فيهما إلا خيراً، وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيراً، وإنما خرجت على بني أمية الذين قاتلوا جدي الحسين، وأغاروا على المدينة يوم الحرة، ثم رموا بيت الله بحجر المنجنيق والنار؛ ففارقوه عند ذلك، حتى قال لهم رفضتموني، ومن يومئذ سموا رافضة(11).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">الصنف الثاني هم الذين خذلوه ضعفاً منهم، وخوفاً على أنفسهم وجبناً، وذلك حين اجتمعوا في المسجد الكبير في الكوفة خوفاً على أنفسهم من أن يبطش بهم بنو أمية، فقال زيد سبحان الله أين الناس؟ فقيل هم في المسجد الأعظم محصورون، فقال لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر(12).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">وهكذا توزَّع أهل الكوفة بين هذين الصنفين، وبقيت قلة قليلة هي التي ثبتت مع زيد بن علي - رضي الله عنه -.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4"><b>ثانياً: الذين خانوا زيداً خانوا قبله آبائه وأجداده.</b></font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">عند البحث والاطلاع نجد أنّ أهل الكوفة من الشيعة الذين ادّعوا حبّ أهل البيت، قد خانوهم في الأوقات الحرجة على مرّ التاريخ، ولم تكن الخيانة فقط من أهل الكوفة لزيد بن علي، إنّما كانت لأهل البيت جمعياً، فهذا الإمام علي رضي الله يوبّخ أصحابه الذين بايعوه من أهل الكوفة وغيرهم، وكانوا أول المتخاذلين عنه وعن نصرته، فيقول أيها الناس المجتمعة أبدانهم، المختلفة أهواؤهم، كلامكم يوهي الصم الصلاب، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء، تقولون في المجالس كيت وكيت، فإذا جاء القتال قلتم حيدي حياد(13) ما عزت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم، أعاليل بأضاليل، دفاع ذي الدين المطول، لا يمنع الضيم الذليل، ولا يدرك الحق إلا بالجد، أي دار بعد داركم تمنعون! ومع أي إمام بعدي تقاتلون! المغرور والله من غررتموه، ومن فاز بكم فقد فاز والله بالسهم الأخيب، ومن رمى بكم فقد رمى بأفوق ناصل، أصبحت والله لا أصدق قولكم، ولا أطمع في نصركم، ولا أوعد العدو بكم، ما بالكم؟ ما دواؤكم؟ ما طبكم؟ القوم رجال أمثالكم، أقولاً بغير علم! وغفلة من غير ورع! وطمعاً في غير حق(14).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">ويقول - رضي الله عنه - يا أهل الكوفة، منيت منكم بثلاث واثنتين صم ذوو أسماع، وبكم ذوو كلام، وعمي ذوو أبصار، لا أحرار صدق عند اللقاء، ولا إخوان ثقة عند البلاء، تربت أيديكم! يا أشباه الإبل غاب عنها رعاتها! كلما جمعت من جانب تفرقت من آخر، والله لكأني بكم فيما إخالكم أَنْ لَوْ حَمِسَ الوَغَى، وحَمِيَ الضّرَاب، قد انفرجتم عن ابن أبى طالب انفراج المرأة عن قبلها، وإني لعلى بيّنة من ربى، ومنهاج من نبيي، وإني لعلى الطريق الواضح ألقطه لقطاً(15).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">وهذا النص يوحي بالمعاناة التي عاش مرارتها الإمام علي - رضي الله عنه - مع أهل الكوفة، الأمر الذي يجعل من يقرأ أو يسمع بتلك المعاناة يقف موقف المرتاب من أهل الكوفة وصنيعهم مع الإمام علي رضي الله عنه، كما يعطي هذا الموقف المأساوي درساً عملياً للثائرين من آل البيت رضوان الله عليهم في التعامل مع أهل الكوفة، ولم يكن سلوكهم مع علي - رضي الله عنه - فحسب، بل تعداه إلى بنيه من بعده، فهذا الإمام الحسن بن علي - رضي الله عنه - عندما خرج بهم للقتال فثاروا ينتهبون أمتعة بعضهم البعض، ثم شدوا على فسطاط الحسن فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه رجل منهم فنزع مطرفة عن عاتقه، فبقي جالساً متقلداً السيف بغير رداء، ثم حمل إلى المدائن وبها سعد بن مسعود الثقفي، وكان واليه عليها، فعالجوه وطببوه هناك، حتى قال المختار بن أبى عبيد لعمه سعد بن مسعود هل لك في الشرف والغنى؟ قال ماذا؟ قال تأخذ الحسن بن علي فتقيده وتبعثه إلى معاوية، فقال له عمه قبحكم الله وقبح ما جئت به أغدر بابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما رأى الحسن ما عليه أصحابه من أهل الكوفة من الخيانة والغدر وعدم السمع والطاعة، عاجل معاوية بالمصالحة، والتنازل عن الخلافة(16).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">وهذا الحسين بن علي - رحمه الله -، لما مات معاوية أرسل أهل الكوفة إلى الحسين بن علي قائلين إنّا قد حَبَسْنَا أنفسنا على بيعتك، ونحن نموت دونك، ولسنا نحضر جمعة ولا جماعة بسببك، و أرجفوا بيزيد واجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، فذكروا مسير الحسين إلى مكة، وكتب إليه كثير من أهل الكوفة يبايعونه منهم سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيب بن نجبة، ورفاعة بن شداد، وحبيب بن مظاهر،..وغيرهم قالوا فيه (بسـم الله الرحمن الرحيم، سلام عليك فإننا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضاً منها، ثم قتل خيارها، واستبقى شرارها، وإنه ليس علينا إمام، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير في قصر الإمارة، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد، ولو بلغنا إقبالك إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام، إن شاء الله - تعالى -والسلام عليك ورحمة الله وبركاته)(17)، فلما علم الحسين بن علي ذلك أرسل ابن عمه مسلم بن عقيل إلى الكوفة، وقال له سِرْ إلى أهل الكوفة، فإن كان حقّاً ما كتبوا به عرّفني حتى ألحق بك، فخرج مسلم من مكة في النصف من شهر رمضان حتى قدم الكوفة لخمس خَلَوْن من شوال، والأمير عليها النعمان بن بشير الأنصاري، فنزل على رجل يقال له عَوْسَجة مستتراً، فلما ذاع خبر قدومه بايعه من أهل الكوفة اثنا عشر ألف رجل، وقيل ثمانية عشر ألفاً، فكتب بالخبر إلى الحسين، وسأله القدوم إليه، فلما هَمَّ الحسين بالخروج إلى العراق أتاه ابن عباس، فقال له يا ابن عم، قد بلغني أنك تريد العراق، وإنهم أهْلُ غدر، وإنما يدعونك للحرب، فلا تعجل، وإن أبيت إلا محاربة هذا الجبار وكرهت المقام بمكة فَاشْخَصْ إلى اليمن، فإنها في عُزْلَة، ولك فيها أنصار وإخوان، فأقم بها وَبُثَّ دعاتك، واكتب إلى أهل الكوفة وأنصارك بالعراق فيخرجوا أميرهم، فإن قَوَوْا على ذلك ونفوه عنها، ولم يكن بها أحد يعاديك أتيتهم، وما أنا لغدرهم بآمن، وإن لم يفعلوا أقمت بمكانك إلى أن يأتي اللّه بأمره، فإن فيها حصونَاَ وشعاباً، فقال الحسين يا ابن عم، إني لأعلم أنك لي ناصح وعليَّ شفيق، ولكن مسلم بن عقيل كتب باجتماع أهل المصر على بَيْعتي ونُصْرتي، وقد أجمْعت على المسير إليهمِ، قال إنهم من خَبَرْتَ وجَرَّبت وهم أصحاب أبيك وأخيك وَقَتَلَتُكَ غداَ مع أميرهم(18).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">هكذا كان يخاطب عبد الله بن عباس الحسينَ؛ لسابق علمه بغدر أهل الكوفة، وطبائعهم القبيحة التي طالما استمرت فيهم، وحتى لو ادعوا حب أهل البيت ونصرتهم.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">لكنّ الحسين - رحمه الله - أصر على كلامه ثم جاء أبو بكر بن الحارث بن هشام ينصح الحسين ويخبره بغدر أهل الكوفة فقال له يا ابن عم إنّ الرحم يُظَائرني عليك، ولا أدري كيف أنا في النصيحة لك، فقال يا أبا بكر ما أنت ممن يسْتَغَشُّ ولا يُتَهم، فقل، فقال أبو بكر كان أبوك أقدم سابقة، وأحسن في الإسلام أثراً، وأشد بأساً، والناس له أرْجى، ومنه أسمع وعليه أجمع، فسار إلى معاوية والناس مجتمعون عليه إلا أهل الشام وهو أعز منه، فخذلوه، وتثاقلوا عنه، حرصاً على الدنيا، وضناً بها، فجرعوه الغيظ، وخالفوه حتى صار إلى ما صار إليه من كرامة اللّه ورضوانه، ثم صنعوا بأخيك بعد أبيك ما صنعوا، وقد شهدْتَ ذلك كله ورأيته، ثم أنت تريد أن تسير إلى الذين عَدَوْا على أبيك وأخيك تقاتل بهم أهل الشام وأهل العراق ومن أعَدُّ منك وأقوى، والناس منه أخوف، وله أرجى، فلو بلغهم مسيرك إليهم لاستطغوا الناس بالأموال، وهم عبيد الدنيا، فيقَاتلك مَنْ وعدك أن ينصرك، ويخذلك من أنت أحب إليه ممن ينصره، فاذكر اللّه في نفسك، فقال الحسين جزاك اللّه خيراً يا ابن عم، فقد أجهدك رأيك، ومهما يَقْـض اللّه يكن، فقال إنا للّه وعند اللهّ نحتسب(19).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">ومما يدل على غدر أهل الكوفة أنّ معاوية عند ما نصح ابنه يزيد في آخر حياته وهو يصف الذين رفضوا البيعة له، ومنهم الحسين بن علي فمما قال عن الحسين وأما الحسين فأرجو أن يكفيكه الله بمن قتل أباه، وخذل أخاه(20). وقبل أن يقتل مسلم بن عقيل رسولَ الحسين للبيعة له في الكوفة، قال هذه المقولة اللهم احكم بيننا وبين قوم غرُّونَا وكذبونا ثم خذلونا وقتلونا(21)، وذلك عندما علم عبيد الله بن زياد والي الكوفة من قبل يزيد بن معاوية بمسلم بن عقيل وما الذي كان يصنعه في الكوفة؛ فأخذه وقتله، وأما الحسين فإنه أصر على الذهاب إلى الكوفة للبيعة له، ولم يكن يعلم بمقتل مسلم بن عقيل في الكوفة وماذا حدث له من خذلان أهل الكوفة له، فلما بلغ الحسين القادسية لقيه الحر بن يزيد التميمي فقال له أين تريد يا ابن رسول اللّه؟ قال أريد هذا المصر، فأعلمه بمقتل مسلم وما كان من خبره، ثم قال ارجع فإني لم أدَعْ خلفي خيراً أرجوه لك، فَهَمَّ بالرجوع فقال له إخوةُ مسلمٍ واللّه لا نرجع حتى نصيب بثأرنا أو نقتل كلنا، فقال الحسين لا خير في الحياة بعدكم، ثم سار حتى لقي خيل عبيد اللهّ بن زياد عليها عمرو بن سعد بن أبي وقاص، فعدل إلى كربلاء - وهو في مقدار خمسمائة فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل - فلما كثرت العساكر على الحسين أيقن أنه لا محيص له، فقتل أصحاب الحسين كلهم وفيهم بضعة عشر شاباً من أهل بيته، وجاءه سهم فأصاب ابناً له فى حجره فجعل يمسح الدم ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم دعونا لينصرونا فقتلونا، ثم أمر بحبرة فشقها ثم لبسها وخرج بسيفه فقاتل حتى قتل رضوان اللّه عليهم(22).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">ومن العجيب في هذا الأمر أنّ الذي تولى مقتل الحسين من العساكر هم من أهل الكوفة جمعياً، ولم يحضرهم شامي واحد كما ذكر ذلك المسعودي(23).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">وهنا أذكر كلاماً عن البغدادي في أهل الكوفة حيث قال والمشهور من غدرهم- أي أهل الكوفة- ثلاثة أشياء أحدها أنهم بعد قتل علي - رضي الله عنه - بايعوا ابنه الحسن، فلما توجه لقتال معاوية غدروا به في ساباط المدائن فطعنه سنان الجعفى في جنبه فصرعه عن فرسه؛ وكان ذلك أحد أسباب مصالحته لمعاوية.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">والثاني أنهم كاتبوا الحسين بن علي - رضي الله عنه - ودعوه إلى الكوفة لينصروه على يزيد بن معاوية؛ فاغترّ بهم وخرج إليهم؛ فلما بلغ كربلاء غدروا به وصاروا مع عبيد الله بن زياد يداً واحدة عليه، حتى قتل الحسين وأكثر عشيرته بكربلاء.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">والثالث غدرهم بزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بعد أن خرجوا معه على يوسف بن عمر، ثم نكثوا بيعته وأسلموه عند اشتداد القتال حتى قتل(24).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4"><b>الخلاصة.</b></font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">لم يكن أهل الكوفة أوفياء لأهل البيت، برغم ما ادّعوا من حبٍ ونصرةٍ ومؤازرةٍ لأهل بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع العلم أنهم هم الذين دعوهم وحرضوهم على الخروج، ثم غدروا بهم في الأوقات الحرجة، وقد فطن بعض أهل البيت لغدر أهل الكوفة ومكرهم، منهم الإمام محمد الباقر أخو زيد بن علي، فعندما شاور زيد أخاه أبا جعفر بن علي بن الحسين بن علي في أهل الكوفة، فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة؛ لأنهم كانوا أهل غَدْر ومَكْر، وقال له بها قتل جدُّكَ علي، و بها طعن عمك الحسن وبها قتل أبوك الحسين، وفيها وفي أعمالها شتمنا أهْلَ البيت(25).</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">_______________________________</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(1) مقاتل الطالبيين، للأصفاني، ص75</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(2) مروج الذهب، للمسعودي، 3195.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(3) مقاتل الطالبيين، للأصفاني، 75.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(4) تاريخ الطبري، 4199.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(5) انظر تاريخ الطبري، 4199، والمنتظم، لابن الجوزي، 7210.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(6) انظر تاريخ الطبري، 4204، والكامل في التاريخ، 4452، ومرآة الجنان، لليافعي، 1257، وتاريخ ابن خلدون، 3124.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(7) تاريخ الطبري، 4205، و الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 4453.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(8) انظر الكامل في التاريخ، 4453.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(9) مقاتل الطالبيين، للأصفاني، ص77، والكامل في التاريخ، 4454.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(10) انظر تاريخ الطبري، 4207، ومقاتل الطالبيين، للأصفاني، ص79.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(11) انظر مقالات الإسلاميين، 165، والفرق بين الفرق، للبغدادي، 125، تاريخ الطبري، 4204، المنتظم 7211، تاريخ ابن خلدون، 3124.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(12) تاريخ الطبري، 4205، مقاتل الطالبيين، للإصفهاني، ص76</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(13) حيدي حياد، أمر بالانصراف والروغان تقوله للهارب وللمتشبث برأيه، وهي نظيرة قولهم فيحي فياح. المعجم الوسيط، 1211.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(14) شرح نهج البلاغة(المنقح)، للشريف الرضي، 2111.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(15) شرح نهج البلاغة، 771.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(16) تاريخ الطبري، 3165، المنتظم، لابن الجوزي، 5166، البداية والنهاية، لابن كثير، 814.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(17) مروج الذهب، للمسعودي، 361، 60، و الكامل في التاريخ، لابن الأثير، 3385، وأسد الغابة، لابن الأثير، 228.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(18) مروج الذهب، للمسعودي، 361.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(19) نفس المصدر والصفحة.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(20) تاريخ الطبري، 3260.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(21) تاريخ الطبري، 3292، ومروج الذهب، للمسعودي، 365، و البداية والنهاية، لابن كثير، 8157.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(22) مروج الذهب، للمسعودي، 365، والمنتظم، لابن الجوزي، 5340، والبداية والنهاية، لابن كثير، 8197.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(23) مروج الذهب، للمسعودي، 366.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(24) الفرق بين الفرق، 126.</font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4">(25) مروج الذهب، للمسعودي، 3195.</font></p><p dir="rtl" style="text-align: left;"><font face="Simplified Arabic" size="4"><font face="Simplified Arabic" size="3" color="blue"><b>المصدر: موقع المختار.</b></font></font></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"></p><p style="text-align:justify;text-kashida:0%" dir="rtl"><font face="Simplified Arabic" size="4"> </font> </p>
التعليقات